الأحد، أكتوبر 30

قصيدة: هدية الجليل

وكأنها معجزة من معجزات الجليل
وكأنها حقيقة من قلب المستحيل
وكأن في صورتها كل جميل
وكأن للعشق يومها لا بديل
وكأن وجهها في ليلِي قنديل
قبل أن يهوِي أملي كالقتيل
خَرَجَتْ عليَّ من واقع الدنيا
وعلى شفتيها كلمة: قل يا
عبد الله من منا الجميل
وقد أتى بي لك ذو الوجه الجليل
فاقشعر صدري ودمعت عيني عرفانا بالجميل
وعَرَفْتُ فضل ربي الجميل الوكيل
فتَبَسَّمَتْ في وجهي
وكأنها شمس قلبي
وعرفت يومها العطاء الجزيل
في مقابل الشكر الهزيل
وكأن ربي يعطيني
يدنيني
فقط لأني آمنت بالمستحيل
بمن وجهها يضيء ليلي كالقنديل
وفي قلبها كل جميل
هدية الجليل
إن الله جميل

—ياسين ركه

الأحد، أكتوبر 16

ليه مفيش فايدة؟

 "إنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"—صدق الله العظيم

ما بقوم" = الرئيس = الحكومة = الجيش = الطوارئ = الفساد = الاقتصاد إلخ

ما بأنفسهم" = القلوب = الإيمان = الشخصية = الضمير = الثقة بالله = الأخلاق إلخ

عدد كافي يغير "ما بأنفسهم" من أي مجتمع = يغير الله ما بهم من بلاء

"إنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"—صدق الله العظيم

***************************************************************
واللي لسه مفهمش، خليك قاعد في ميدان التحرير لغاية ما شعرك يشيب، خليك اتكلم وانقد وسفسط على كيفك في السياسة والجيش والفتنة الطائفية والفتنة الجنسية والاشتراكية والحرية والعدالة الاجتماعية والبتنجانية والمخللية كمان. لف ودُور وسفسط وحارب وثُور واعمل ما بدالك...لا ملجأ ولا منجى من الله...إلا إليه.

والطريق إلى الله يبدأ من القلب، لا من مشايخ ولا مدارس فكرية ولا مذاهب. ابدأ من قلبك، واركع ركعتين تفتكر بيهم ربنا (لإن مفيش حاجة اسمها إيمان في القلب لا يصدقه العمل)...صلي لخالقك، سلّم أمرك ليه تماماً، وسيب الباقي على هدايته هوه ليك. سواء الهداية توديك بقه إلى مدرسة فكرية، إلى مذهب، إلى طريق سياسي، كله بتاع ربنا والقدر ورسالتك في الحياة اللي ربنا كاتبهالك.

***************************************************************

لا ملجأ ولا منجى من الله...إلا إليه

"إنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"—صدق الله العظيم

***************************************************************

سألوني: يعني انت عايزنا نقعد في البيت منعملش حاجة ونخلّي الإيمان في القلب ونستنى معجزة من ربنا؟ أقول: مقولتش كده خالص، بل قولت "مفيش حاجة اسمها إيمان في القلب لا يصدقه العمل"، لكن نعيد تاني ونزيد: المسألة مسألة ترتيب، قبل ما تنزل تغير المنكر بإيدك ولسانك، اسأل نفسك: هل قبل ما حاولت تغير بإيدك ولسانك الظروف المحيطة، حاولت تغير قلبك انت الأول؟ ولا انت عايز تغير الظروف المحيطة بالعمل والاجتهاد وعلو الصوت قبل ما تغير قلبك؟

 لإن الحديث الصحيح بيقول: "ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب." يعني لو قلبك فاسد، يبقى إيدك ولسانك اللي عايز تغير بيهم دول حيكونوا برضو فاسدين، فلا يقوموا إلا بفساد أكثر أو بإبدال الفساد بفساد يكثر من الطينة بلّه

وذكرت برضو إنك تركع ركعتين تفتكر بيهم ربك، ليه؟ لإن الحديث الصحيح بيقول: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، و إن فسدت، فسد سائر عمله." يعني لو صلاتك بايظة، يبقى كل عملك بايظ...سواء قاعد في ميدان التحرير أو مديها في البيت شخير، والله ما حتبقى فارقة ساعتها لإن عملك كله فاسد بفساد الصلاة أو انعدام وجودها أصلاً

يعني مفيش حل ولا خلاص من الترتيب ده لكل فرد في المجتمع إلى أن يكون هناك عدد كافي ماشي على الترتيب ده: قلبك (بكل ما يعنيه إصلاح القلوب) ثم صلاتك ثم تسليم أمرك لله تماماً ثم التوكل على الله. بعد كده بقه، اعمل زي ما انت عايز...ثورة، ميدان التحرير، حرب التحرير...براحتك، بس امشي على الترتيب ده، وربنا حيمشيك في الطريق الصح اللي فيه عمل وقول صح. لو حتمشي بالعكس، يبقى مفيش فايدة. امشي بالترتيب الصح أحسن...ابدأ بقلبك، ثم قلب أقرب الناس ليك، عشان نكوّن مجتمع بقلوب سليمة....أخلاق رفيعة، ضمير حيّ، حب وتسامح، وبصيرة نشوف بيها اللي بيحاول يضحك علينا ويكدب علينا ويوقّع ما بيننا

***************************************************************

لا ملجأ ولا منجى من الله...إلا إليه

"إنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"—صدق الله العظيم


الجمعة، أكتوبر 7

قصيدة: بلادِي ونِسَاءُ بلادِي

قالوا: العَرَبُ جَرَب
إن كانوا فأُشْهِدُ اللهَ أنِّي أنا الجَرَب
أنا مِنْ مِصْر ومن صقيع الشمالِ الأشقر
مِنْ مِصْر ولكنّ لبنان لبنانِي
كل حَرْف في اسمِها أغلَى مِنْ بِنَانِي
وسُورِيّة حُورِيّة
أيا فاتِنات الشام، قَصْرٌ لِكُل شَعْرةٍ تَحْت الحِجَاب
والله إنْ كان بِيَدِي لَرَفَعْتُ قَصْراً لِكُل شَعْرة تَحْت الحجاب
وأرْضُ الحِجَاز
ما أدراك ما أرْضُ الحِجَاز
تُرَابُ الحِجَاز أغْلَى عِنْدِي مِنَ الذّهَب
لعَلّ رَسُولِي دَاسَ بقدمَيْهِ عَلَى حَبّة رَمْل
فَأنْكَبّ عَلَى وَجْهِي أُقَبِّلها وَمَا حَوْلها
ليس عبادةً، والله أبداً، وإنما حُبّا
أُقَبِّلُ أَرْضَ الحِجَازِ حُبّاً لِمَنْ دَاسَها
والعِرَاقُ عُرُوقِي
إنْ جَفّ الرَافِدَان لرَطّبْت الوَادِيَيْن بدمُوعي
ثُمّ لَحَاوَلْتُ بسَذَاجَةِ المُحِبِّ أنْ أرْويهما بعروقي
واليَمَنُ يَمَنُ الإيمانِ والحِكْمَةُ يَمَانِيّة
منها أتنفّسُ الرقّة واللِين
فِي حَضَرِها وفِي بِنْتِها المِخْلَافِيّة
وخليجُ العَرَبِ خليجي
لهِيبُ الصحراءِ يَهُون لِنَفْحة مِنَ الأريج
أيا طِيبُ وأَدْمُ حَسْنَاوَاتِ الخليج
بتِلْكَ العُيُونِ وأهْدَابِها السُود—ما أجمل الأَسْوَد!
قالوا أنّ العَرَب جَرَب
فإنْ كان هذا الجَرَب
لوَدَدْتُ أنْ أكُونَهُ فَلَا أطُولُه
وكَيْف أطُولُ مَلِكَةً بالحَسَبِ والنَّسَب
لا طالَكُنّ الحَسَدُ ولا الخَسِيسُ يا نساء الخليج
وعسى الله أنْ يَنْعَم عليّ برؤية الأريج
فأضِيع للحظةٍ في كلَّ ذاك اللهيب
لهيبُ البَيْدَاءِ ولهيب قَلْبِي ولهيب الأريج
أريج حَسْنَاواتِ الخليج
وبلادُ العَرَبِ الإفْريقية
في كلّ منها أمِيرةٌ بَدَوِيّة
بِكُحْلٍ فِي عَيْنَيْها مِن يَوْم وَلَدَتْها أُمُّها
وخَطٍّ حَوْلَ شَفَتَيْها لَمْ يَسْطُرْهُ قَلَمُها
لا أراه تَحْتَ الخِمَار، يا خَمْرِيّة الوِثَار
قالوا أنّ العَرَب جَرَب
إنْ كانوا فَأُشْهِدُ اللهَ أنِّي أنا الجَرَب
ويا مَغْرِبُ العَرَب، لا تَغْرُب
لعلّك تَرُدُّ الأنْدَلُسَ إلَى أهْلِها بِالْحُب
ولَعَلَّ نِسَائك يُعَلِّمْنَكَ ما الْحُب
ويا مِصْر، مِصْرُ قَلْبِي
أحْبَبْتُ كُلَّ بِلادِي وبَلَغْتُكِ فَوَقَفْت
بَعْدَكِ يا مِصْر لا أُحِب
وكَيْف أَعْبُرُ بَعْدَكِ وأنتِ مِصْر قَلْبي؟
ولِمَ أَنْظُر خَلْفَكِ وأمامي مُنَى عَيْنِي؟
لِمَ أبْحَث دُونَكِ وفِيكِ كُلّ شَيء
فِيكِ الكُوَيْتِيّةُ المِصْرية
والمُسْلِمةُ النّاطِقَةُ بالعِبْرية
واللبْنَانِيّة والحُورِيّة
والنُّوبِيّة والمَغْربيّة
والخَلِيجِية...بَلْ إنَّ فِيكِ يا مِصْر العَسَلِيَّة
أيا مِصْر، مِصْرُ قَلْبِي
ويا بلادي، ونِسَاءُ قَوْمِي
أُشْهِدُ اللهَ أنّي مِنْكُم، وأنَّكُمْ مِنِّي
فإنْ كُنْتُم أنْتُم الجَرَب، لوَدَدْتُ أنْ يَكُون الجَرَبُ مِنِّي
وإنْ كُنْتُ أنا الجَرَب، لطَمَعْتُ أنْ يَكُون الجَرَبُ عَرَبِيّ
فإنْ لَمْ أكُنْ عَرَبيّاً، لأقْسَمْتُ عَلَيْكُم بالقافِ والضّاد
باسْم القابضِ القَهَّار، مَنْ لَهُ كُلّ الإفراد
لاسْتَحْلَفْتُكُم وأنا أنْطِقُ العَرَبيّة
أنْ تُزَوِّجُونِي امْرأة عَرَبيّة
حتّى يَنْطِقُ بحَرْفِ العَيْنِ أوْلَادِي
ويُشِيرُوا إلى أرْضٍ مِنَ الْمَغْرِبِ إلَى عُمَان
فيَقُول كُلّ مِنْهُم: هَذِي بلادي
ويَبْتَسِمُ الصِبْيَانُ مِنْهم
وهُمْ يَلْمَحُون أجْمَلَ وُجُوهِ الدُّنيا
فيقول أَحَدُهُم: وهُنَّ نِسَاءُ بلادي
أيا بلادي، بلادُ العَرَبِ يا بلادي
ويا نِسَاءُ بلادِي...أيا جَمَالُ بلادي
--
ياسين رُكَّه

الخميس، سبتمبر 29

العالم كله استيقظ وقام بالثورة في سنة واحدة

أكتب هذه الكلمات وأعلم جيداً أنها قد تجعلني مكروهاً أو على الأقل محل نقد شديد من الكثير والكثير من الناس، بما فيهم أصدقاء. ولكني أحس أن هذا الأمر يجب أن يقرأ عنه على الأقل بعض الناس...لعل هؤلاء يقفوا على كلماتي لبضع دقائق ويفكروا فيها جيداً فيروا فيها بعض الصدق أو احتمال الحق

قال لي صديق في رسالة أنه يفكر في كتابة أغنية عن شاب مصري يمر بأحداث كثيرة وينتهى به الأمر في آخر الأغنية وهو يقطع الحكومة إرباً، ويساعد على التغلب على فسادها. سألته وكيف يقطع الحكومة إربا؟ رد علي قائلاً: بالثورة. قلت له أني لم أؤمن بالثورة ولم أساندها، وذكرت باختصار هذا لأنني أؤمن أنها جزء من مؤامرة عالمية، ولأني أؤمن بالإصلاح الاجتماعي لا الانقلاب بالقوة. وقد كتبت بالتفصيل الممل عن هذه النقاط من قبل بالفعل، فإن كنت تقرأ رأيي هذا لأول مرة، أدعوك إلى قراءة بقية مقالاتي عن الثورة هنا على فيسبوك أو على مدونتي بعنوان
yaseenrocca.com

قال لي صديقي بدبلوماسية وتفهم: ولكنها إن كانت مؤامرة، إذن فهي مؤامرة ضد الوطن العربي؟

قلت له: نعم، كان هذا هو رأيي في البداية أيضاً، ولكن أعمال الشغب زارت لندن، بل إن تل أبيب الإسرائيلية نفسها حدث فيها إضراب عام ومسيرات سلمية. هناك شيء يحدث في العالم اليوم، ويبدو أنني من القلة القليلة التي ترى هذه الظاهرة أو حتى تريد أن تراها. معظم الناس مختالة فخورة بنفسها وبتضحياتها، وتحس بقوتها التي تغلبت على قوة الحكومة وظلمها وجبروتها، على طريقة
power to the people!
ولا يريدون حتى أن يأخذوا بعين الاعتبار احتمال أن كل ما يسمى ب"ثوراتهم" قد تم تصميمه والتدبير له منذ وقت طويل، وعملياً...سُمِحَ به

رد عليّ صديقي، والذي كان بالفعل مطلع على تاريخ الماسونيين وما شاكلهم من محركي التاريخ وراء الكواليس: بالتأكيد يوجد شيء يحدث في العالم، سكان العالم يثورون مرة أخرى على الإمبريالية والكومِرشالية 
commercialism
إلا إذا كانت هذه الثورات من تصميم المجتمع الإمبريالي من أجل إعادة تنظيم أو إجراء "تعديل وزاري" للماسونيين

قلت له: نعم، يا أخي، إنه تعديل وزاري للماسونيين والمتنورين
Freemasons and Illuminati
وتحضير لمرحلة جديدة أو حتى عصر جديد لهم. لا أعتقد أن العالم كله قرر مرة واحدة أن يستيقظ...هذا شيء لا يدخل عقلي على الإطلاق. ولا أعتقد أن سكان العالم والوطن العربي ينجحون هكذا، شعباً وراء الآخر، في قلب أنظمة حكمهم والإطاحة برؤسائهم، وكأن هؤلاء الرؤساء وأنظمتهم لا يتعلمون أي شيء على الإطلاق مما حدث لجيرانهم في الشهر السابق! شيء يعني لا يصدقه عقل يحلل وينظر نظرة نقدية تاريخية. أقل شيء يفعله الرئيس الثالث بعد أن يتم الإطاحة باثنين بالفعل هو أن يعطي للناس كل أو معظم طلباتهم، بل ويتنحى من البداية بدون مقاومة لأنه رأى بالفعل ما حدث في الجيران، وأن الغرب لا يساندهم فجأة بالرغم من أن الغرب كان خير معين لهم منذ أشهر قليلة فقط

وقلت له أني والله أحس أن الناس غلابة إنهم مصدقين نفسهم إنهم نجحوا وبتاع، بدلاً من اعتبار الحقيقة المحتملة أن كل هذا بالعربي كده، سُمِحَ له أن يحدث

قد يقول قائل: ولكنك قلت على الأقل الرئيس كان يتنحى من الأول بدون مقاومة، وهذا حدث بالفعل...في تونس. أرد وأقول: تونس كانت أول دولة، دولة صغيرة، وتخميني هو أن الأوامر أتت لرئيسها بالتنحي فوراً وعدم المقاومة، وهذا لأنهم أرادوا بداية سريعة للثورات في بقية الدول العربية. لم يريدوا للشعوب العربية أن تظل لمدة أسابيع أو شهور تشاهد ما يحدث في تونس، بل أرادوا للعدوى أن تنتقل في أسرع وقت إلى مصر، وقد قاموا بالتحضير لثورتها بالفعل، حتى تسلط الأضواء أكثر على مصر ويكون هناك متابعة عالمية لأحداث الشرق الأوسط هذه. وأهمية مصر يشهد بها عرب كثيرون، بما فيهم إخواننا في تونس، حفظهم الله، وفي نفس الوقت، مصر لها حدود مع إسرائيل، وهذا وحده يكفي لإعطاء أهمية لمصر من منظور الماسونيين وصهاينة روثتشايلد العالميين

وقد يقول قائل: والله انت مفتري، وما عندك دم! وتبخس من تضحيات الشعوب العربية! كيف تقول أن هذه الثورات سُمِح لها أن تتم؟! ما انت كنت قاعد في البيت في أوروبا أكيد ولا همّك ولم ترى الدم والقتلي ولم تشعر بكم تضحياتنا. أرد وأقول: أبداً والله، بل كنت أتابع الموقف ساعة بساعة، على الأقل عندما كان وطني، مصر، هو المستهدف، وشعرت بالفخر لما يفعله المصريون، وجعلوني أقشعر وجعلوا عيني تدمع وأنا أشاهد مشاهد كثيرة جداً على يوتيوب وغيرها، وبعد أن وقعت الفأس في الرأس، كنت أكتب وأشجع الناس أن تنتهي من الثورة بسرعة وأن يتركوا شخص الرئيس (ليس حباً فيه وإنما لمبادئ كتبت عنها في مقالاتي في الماضي) ويطالبوا فقط بحقوقهم كشعب، وهكذا. ولكن كل هذا ليس معناه أني صدقت المسرحية يا إخواني، كل هذا ليس معناه أني صدقت فعلاً أن الشعب المصري أو التونسي أو الليبي بالفعل قام بالثورة ونجح فيها وحده، بل لا زلت أؤمن أن الثورة سُمِح لها أن تتم، وبترتيب وتسهيل وشروط الماسونيين والمتنورين. التضحيات والناس اللي استشهدت؟ ما لازم يكون فيه تضحيات واستشهاد بالمئات في شيء مثل هذا يعني. وهوه ثورة فرنسا، اللي كانت من تدبير مؤامرات برضو، محصلش فيها تدبيح بمئات الآلاف؟ حصل. وكله لزوم التحابيش وحبك الرواية وإقناع الناس أكثر إنهم تمام، وبيضحوا وبيعملوا وبيسووا. هيه الناس دي بتلعب؟ حتخلي واحد من الشعب، مواطن عادي غلبان زيي، يقعد يكتب الكلام ده وبسهولة قوي الناس تصدقه؟ أكيد لأه يعني. دي حكومات وراء كواليس وأجهزة مخابرات وشركات عملاقة بتتعامل بالترليونات، مش الملايين. لازم يعني يخلوا الناس تصدق تماماً إنهم ثاروا كلهم مع بعض، كل سكان العالم، وإنهم تمام وزي الفلّ ونجحوا، وبرافوا عليهم

ووالله إني لأتمنى من الله أن أكون مخطئاً في كل هذا، وكلامي مكتوب هاهنا، ولن أمسحه أبداً، فإن أثبتت الأيام بعد عشرات السنيين، وكان لي العمر، أني مخطئاً، والله سأسعد بخطئي هذا وأقول: نعم، أخطأت في حكمي على الأمور، والحمد لله أني كنت مخطئاً في ذلك. ولكن إلى أن أرى الدليل على أن كلامي هذا خطأ، فإني مؤمن به كله، وأدعو كل عربي عاقل أن يفكر جيداً فيما كتبته، وأن يقوم بالبحث بنفسه على الإنترنت عن كل ما يتعلق بالماسونيين، والمتنورين، والصهيونية الروثتشايلدية، والنظام العالمي الجديد، وانظر بنفسك إذا كنت أنا أقول كلام فاضي، أم أتحدث عن احتمالات في منتهى الجدية
Freemasonry, Illuminati, Rothschild Zionism, New World Order

https://www.facebook.com/photo.php?v=282261108463512
http://www.youtube.com/watch?v=DxM9toiYxaI

الأربعاء، سبتمبر 28

أحِبُّكِ ولمْ أرَكِ

ليتني أعرف كيف أظلّ أحِبُّكِ، وأنا بعد لم أركِ
أحِبُّكِ كأني أعيش أبداً
ليتني أعرف كيف أصبر، فلا أهيم شرقاً وغرباً في طلبكِ
أطلبكِ كأني أموت غداً
ليتني أقوى على الانتظار
وألقاكِ عُمراً قبل الاحتضار
كم أتوق إليكِ
كم تنبض كل خلية في كياني بهمسة: لبَّيكِ
كم أريد أن أبوح
بحقيقتي المخجلة يا توأم الروح
وأرفع رأسي فأرى ابتسامة وكأنها ابتسامة أمّي
فتدمع عيني، وتأخذي أنتِ برأسي وتضمّي
أيا من تملكين قلبي ولم أركِ
أحِبُّكِ
أحِبُّكِ، ولم أركِ


ياسين رُكَّه

الأحد، سبتمبر 25

لا، الأمر ليس بسيطاً

كلما ظن الإنسان أن العالم بسيط، كلما دل ذلك على قلة علم، وأحياناً للأسف جهل صريح بحقيقة الدنيا والعالم. هناك فرق بين التبسيط والبساطة؛ نعم، التبسيط جميل وعلينا تبسيط الأمور للناس، ولكن الدنيا نفسها، الكون أو العالم نفسه ليس بسيطاً على الإطلاق، وإلا لكان من السهل على الملحد أن يجد الدلائل العلمية على وجود الله بدون تفكير كثير.

هل تخيلت أبداً من قبل أن كل شيء تفعله في الدنيا له تأثير ما؟ كل نظرة، كل خطرة، كل كلمة تنطق بها، كل حرف تكتبه، كل صورة تنشرها، كل نقرة بإصبعك على فأرة الحاسب الآلي كي تقول أن هذا "أعجبني"، لها تأثير لا يخطر لك على بال؟ هل تتخيل أن كل ذرة يتغير مكانها في الكون على يدك لها تأثير ما، وأن أحياناً هذا التأثير يمضي في سلسلة ردود أفعال فينتهي بتأثير عملاق لم تكن أبداً لتتخيله عندما نقرت النقرة أو كتبت الحرف؟ ولم لا؟ أليست القنبلة النووية التي قد تدمر مدينة كاملة فقط في حجم الثلاجة أو أصغر؟ ولكن تأثيرها يمضي في سلسلة ردود أفعال ذرية تدمر أحياءاً كاملة في طريقها.

ألا تصدقني؟ دعك مني، أتصدق الله ورسوله بدلاً مني؟ اقرأ التالي: ’وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‘—﴿الكهف: ٤٩﴾؛ ما يطبق على المجرمين سيطبق عليّ وعليك أيضاً لأن الله هو العَدْل. "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم"—صحيح البخاري.

فكر قبل أن تنقر النقرة، فكر قبل أن تنشر الصورة، فكر قبل أن تنطق الكلمة، فكر قبل أن تكتب الحرف. فَكّر. ودع ما يحك في صدرك أو ما يريبك أو ما لا يوافق أهدافك المستقبلية.

ومرة أخرى، دعك مني—إن رأيت أنني أعقّد الأمور، ودعك من الآيات والأحاديث إن لم تكن مسلماً أو لم تكن متديناً، فكر في نفسك وسمعتك وما يمكن أن يُقال عنك أنت. لا يضمن أي أحد منّا حياته، إن حدث لك شيء غداً وقبض الله روحك، إن متّ أنت غداً، ماذا تحب أن يقول الناس عنك؟ كيف ستكمل الناس هذه الجملة مثلاً عنك: ’آخر شيء نشره على فيسبوك كان...‘ كان ماذا؟ أي صورة ستكون آخر صورة تنشرها على الإنترنت؟ أي كلمة ستكون آخر كلمة تقولها لأصدقائك أو يقرأها لك الناس؟ ماذا ستكون خواتيم أعمالك؟ ماذا سيقول الناس عنك إن مُتّ غداً؟ فَكّر.

—ياسين رُكَّه

قصة حُبّ قصيرة

قُلْت لها: أحِبُّكِ، ولا أريد أن أمكث في سجن الدنيا بدونكِ
قالت لي: وَيْلي، ويا غثياني، إن رأيت نفسي مع رجل غيرَك
قلت لها: أنتِ، فقط أنتِ؛ لا أريد من الدنيا سواكِ
وقالت لي: سأعطيك عيني، وأعينك على الدنيا بروحي، بل سأخدمك بكياني
قلت لها: سلمت لي يدك وعينك، عسى الله أن يعينني أجعلك ملكة
وقالت لي: كن رفيقاً عليّ، ستأخذ كل ما تريده وأكثر، بل ستجدني تحت قدميك
قلت لها: أعزّكِ الله ورفع من شأنكِ، وجبر بخاطركِ كما تجبرين بخاطري؛ أحِبُّكِ
وقالت لي: لا أريد من الدنيا سواك، ولا أريد أن أحيى مع رجل غيرك
قلت لها: وأنا لا أريد أن أحيى على الإطلاق إن لم تكوني أنتِ في دنياي

ثم كتبت لي: توقفت عن حُبّك ولا أشعر بأي شيء لكَ. تفهمني واحترم ذلك.
فكتبت لها: كيف ولِمَاذا ومن أين أتى هذا؟!
كتَبَتْ: حُبّك كان هدية من الله كما تقول أنت، أعطاها لي في وقت، وأخذها الآن. لم أعد أحبّك، وهذا كل ما عندي.
كتَبْتُ: ليتها كانت هذه الحقيقة، لكنت قد قبلتها عن طيب خاطر، ولكني لا أصدق، وهذا هو ما يجرح.

قلت: كنت أظن أن أقل ما أستحقه هو الحقيقة. أو على الأقل أن أسمع الحقيقة بنبرة ليّنة، بدلاً من قراءتها...في خطاب غير موقَّع.

قصة حبّ قصيرة. هي قصة حبّ مات قبل أن تُكْتَب له أجمل أيامه. وحيث أنه مات، فلله ما أخذ من حُبّ، وله ما أعطى من حُبّ، وكل رباط شرعي عنده بأجل مسمى، فالله حَسْبي، والحمد لله.

ياسين رُكَّه

حقوق النشر والطبع محفوظة © 2011 ياسين رُكَّه. لك حرية التمرير والمشاركة بشرط الاحتفاظ بعبارة حقوق النشر.


الأحد، فبراير 6

لمن يؤمن بوجود مؤامرة ضد مصر

إحنا في الفيديو ده متفقين يا صديقي. صح كده، فيه مؤامرة ضد مصر. لكن أنا نفسي برضو بأؤمن إن كل إنسان لازم يفكر كويس جداً قبل ما يصدق اللي بيتقالّه زي ما هوّه كده. شوف يا صديقي، كل مؤسسة تجارية أو حكومية أو عسكرية في العالم إنهارده بتمزج ما بين الحقائق والأكاذيب عشان تقنع الشعوب بأشياء محددة تخدم أجنداتهم. دايماً افتكر كده: الرسالة اللي بتسمعها فيه احتمال شبه مؤكد إنها حقائق ممزوجة بأكاذيب؛ لما كلنا نبتدي نسمع الأخبار ونقراها ونسمع الإشاعات فنمرر كل الكلام ده خلال مصفاة أو فلتر نحاول منه إننه نفصل الحقائق عن الأكاذيب، وقتها فعلاً تلاقي شعب واعي وفاهم إيه اللي بيحصل حوليه.

هل في مؤامرة ضد مصر وكل الشعوب العربية؟ أكيد، أنا مؤمن بذلك. هل المؤامرة دي من الخارج، من خارج الوطن العربي ومن أعدائنا المعروفين؟ أكيد، أنا برضو مؤمن بذلك. لكن إنهارده، دلوقتي، مش هوه ده وقت ترديد الكلام ده. ليه؟ لإن المؤامرة دلوقتي اتسلّمت لأيدي داخلية، وليست أيدي خارجية. الأيدي الخارجية كانت مهمتها بدء الثورة، والأيدي الداخلية مهمتها هي استغلال الثورة من أجل تدمير الوطن. أنا أصلاً كنت بأقول الكلام ده، عن وجود مؤامرة من كل الثورات دي، تونس ومصر وبقية الدول، لكن كنت باقول الكلام ده قبل 25 يناير. بعد 25 يناير، خلاص، الفاس وقعت في الراس وضحايا أبرياء ماتوا، والبلد عم فيها خراب في أغلب المدن، وحدث عدم الاستقرار بالفعل. وبالتالي، الوقت متأخر قوي قوي قوي إننا نقول بلاش ثورة يا ولاد. ممكن تبقى عايز تقولّي: أيوه، ناس ماتت وخربت، بس هل ده معناها نخربها أكتر؟ أردّ وأقول: لأ، طبعاً، لكن في نفس الوقت، مينفعش إنك تطلب من الشعب، بعد ما بالفعل مات مئات الأبرياء مع آلاف الجرحى، وبالفعل اتدمرت منشآت ومباني واقتصاد، مينفعش تطلب من الشعب إنه يرجع من مولد بلا حمص من الحكومة. حتقولي: لأ، بس حصل تغيير، الناس عايزه أكتر من كده إيه؟ حأقولك: أنا مش حأدخل في تفاصيل الموضوع ده، لإن فيه مقالات اتكتبت فيه بما فيه الكفاية توضح إننا كشعب مخدناش أي حاجة لسه، وإن كل الطلبات المهمة لم يُسْمع لها بعد، وانا مش بأتكلم عن إسقاط الرئيس لإن أنا أصلاً ضد فكرة إسقاط الرئيس، ليس حباً فيه ولكنها مسألة مبدأ ودين وكمان مظهر حضاري لبلدنا في تسليم سلمي للسلطة. لكن بعيداً عن نقطة إسقاط الرئيس، لسه مأخدناش أي حاجة من الطلبات المهمة: إلغاء قانون الطوارئ أو ضمان إلغائه بعد فترة قصيرة من انتهاء الثورة، وتعديل الدستور في المواد التي تضمن انتخابات نزيهة وهكذا...كل هذا لم يتم بعد بشهادة الخبراء القانونيين المساندين للثورة. وفي نفس الوقت، كما أنك لك الحق في تصديق أن من يقوم بأعمال التخريب والسرقة هم "عناصر" مندسة، ثم تلمح في تصريحات أخرى أن العناصر المزعومة تابعة للإخوان المسلمين، الجانب الآخر أيضاً له الحق في تصديق أن من يقوم بأعمال التخريب والسرقة ومهاجمة المتظاهرين هم بلطجية مأجورون من قبل النظام الحاكم، وعربجية مرتزقة، هاربون من السجون، و"عناصر" قيادية من البوليس السرّي. لك الحق في تكذيب هذا، وللطرف الآخر الحق أيضاً في تكذيب ما تصدقه أنت، وفي النهاية، توجد شواهد كثيرة في فيديوهات على يوتيوب وصور توضح أين الحقيقة لمن أراد أن يراها.

وفي نفس الوقت، المؤامرة دلوقتي مش مؤامرة أمريكا ولا إسرائيل ولا إيران ولا إخوان، ده كلام فارغ قوي قوي قوي، وعيب أصلاً إن مصري شريف يردده، لإن المؤامرة واضحة مين بيقوم بيها دلوقتي من مئات الفيديوهات على يوتيوب، بدون الرجوع لإشاعات. اللي بيحصل دلوقتي هوه إن النظام الحاكم بيماطل في تلبية طلبات الشعب عشان يدمر اقتصادنا وبلدنا أكتر، وده بأوامر أكيد من أمريكا وإسرائيل، ولكن أمريكا وإسرائيل غالباً لا يتدخلوا مباشرة الآن. هما فقط بيبعتوا أوامر بإيه التصريحات اللي تتقال، وإيه يتعمل وإيه ميتعملش. لكن النظام الحاكم دلوقتي هوّه اللي بيقوم بكل شيء مباشر في بقية المؤامرة: تخويف غير المتدينين من الإخوان المسلمين مع تحبيب المتدينين فيهم عشان يعتبروهم أبطال الثورة وبالتالي يجروا رجلهم أكتر للحكم والإخوان لم يسعوا إلى ذلك، والمماطلة في تلبية طلبات الشعب من أجل استنفاذ الدولة وتدميرها وإضعافها أكتر، والتفرقة في الرأي العام ما بين مؤيد ومعارض لإحداث بلبلة وتشتت فكري بين كوادر الشعب وشغلهم عن الانتهاء من الثورة في أقرب وقت ممكن...والهدف الأخير في اعتقادي هوه تسليم البلد للشعب بعد أن ينتهوا منها تماماً ويصبح من العسير للدولة الوقوف على رجلها في أقل من عامين، وفي نفس الوقت التركيز على جر رجل الإخوان أكثر سياسياً...وهذا حتى يُمَهّدوا إلى تحكم الأمم المتحدة أو بمعنى أدق النظام العالمي الجديد في المنطقة العربية والعالم أثناء عام 2012، مع إعطاء سبب لإسرائيل لاتخاذ خطوات عسكرية ضدنا قبل أن نقف على رجلنا كدولة، والحجة وقتها لهذا الهجوم العسكري تكون أن الإخوان المسلمين يتحكمون في الدولة، وقد تم تشويه سمعتهم دولياً بالفعل وحتى بين بعض أفراد الشعب من قليلي الوعي السياسي والمغسول مخهم لضمان قدرتهم على الحصول على عملاء ضد الإخوان والبلد بعد ذلك.

الحقيقة يا صديقي أحياناً تكمن في الظلام الدامس ما بين رأيك المشهور والرأي الآخر المشهور.



قالّك دول إخوان وعواطليّة

اللي بيقول الإخوان همّا اللي عملوا وسووا، فين دليلك على كده؟ لو انت بتتهمنا إننا مصدقين إشاعات عن فساد الحزب الوطني وكذب الإعلام المصري علينا، نفس الحزب والإعلام اللي مخبي كل الفيديوهات المشينة اللي بنشوفها على يوتيوب وفي كل حته في الإنترنت، يبقى إحنا برضو نقدر نتهمك إن انت مصدق إشاعات عن فساد الإخوان المسلمين، اللي هما كانوا بيتجرجروا على المعتقلات من أيام عبد الناصر وبيتعذبوا ويتسحلوا بدون أي دلائل، وفقط بمحاكمات عسكرية وقانون طوارئ، من نفس النظام اللي عذب خالد محمد سعيد حتى الموت، نفس الفساد اللي عذب سيد بلال حتى الموت، نفس النظام اللي دهس مئات المصريين تحت عجلات مدرعاته، وخبّى كل الكلام ده عن المصريين في الإعلام الرسمي...هوّه هوّه نفس النظام الكاذب الفاسد اللي بقالوا بيكدب علينا عشرات السنين، بيقولنا الإخوان اللي بدأوا الثورة والإيرانيين بيتآمروا ضدنا. طيب السؤال هنا: هل نصدق النظام ده إنهارده؟ ولا نصدق أكتر من 2 مليون مصري في ميدان التحرير؟

بتقول اللي في ميدان التحرير دول شباب عاطل وإخوان مسلمين؟ والله العظيم كاذب وكذبك بيّن شديد الوضوح، لإن يوتيوب عليها مئات الفيديوهات اللي بتوضح للمُشاهد هويّات ناس كتير قوي في ميدان التحرير لغاية إنهارده...أئمة من الأزهر، أقباط بيحموا المسلمين اللي بيصلوا، صعايدة، فلاحين، كاتبين، مخرجين سينمائيين، صحفيين، مفكرين، سياسيين. ومحدش يصدقني كده وخلاص، ادخل يوتيوب ودوّر بنفسك، ولو مش عارف تدوّر على إيه، شوف المصريين حاطين إيه على فيسبوك حتلاقي عشرات الفيديوهات اللي تبين الحقائق.

عملاء نظام فاسد مندسين في وسطنا، أو ناس ساذجة مغسول مخها من النظام الفاسد، أو ناس كل اللي هاممها الراتب الشهري والفواتير، عشان لم يعانوا من النظام نظراً لوجود وسايط أو ما شابه...هما دول عينات البشر اللي ضد المظاهرات إنهارده، وهمّا دول اللي الوطنية ومصر بريئة منهم ومن أشكالهم ضعيفة الإيمان، عديمة المبادئ، ساذجة الوعي، أو خائنة الوطن بل والإنسانية.

السبت، فبراير 5

محمد دياب في التحرير


الراجل ده حبيبي، وكل حرف بيطلع من بقه صح، كل كلمه بيقولها مبتخرّش الميّه. انت لو عندك دم وبتحب مصر فعلاً، تروح ميدان التحرير، تدوّر عليه ولو لقيته تحضنه وتساعده.

نصيحتي بس لكل المصريين ولأهل الثورة بالذات، يا ريت يا ريت تسيبوا شخص الرئيس نفسه، وتركزوا على رسالة الإصلاح السياسي والتغيير والتبديل، وهذا ليس حبّاً في الرئيس، ولكن مسألة مبدأ وعشان صورتنا برضو قدّام العالم تبقى حضارية. روحوا ميدان التحرير، كملوا المسيرة والثورة، الله يحميكم ويوفقكم، ولكن أستحلفكم بالله، سيبوا شخص الرئيس، وركزوا على الإصلاح السياسي.

أنا مكنتش موافق على الثورة من قبل يوم 25 يناير، عشان من المنظور الفكري وكمبدأ، بأؤمن بالإصلاح الاجتماعي والصحوة الإيمانية أكتر من الثورات. لكن، إحنا تعدينا مرحلة اللا عودة بكتير، وفي نفس الوقت، فيه مئات من إخواتنا المصريين ماتوا واتدهسوا تحت العجلات، والبلد بالفعل اقتصادها اتضرب ضربة كبيرة أوي، ففعلاً...حرام الناس دي ترجع من مولد بلا حمص.

اسمعوا كلام محمد دياب، والمسلم اللي فيكو، صلّي صلاة استخارة، وادعي ربنا: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. وشوف بعدها حتحسّ بإيه. أنا حاسس إنّك المفروض تكون مع محمد دياب في ميدان التحرير، وبالنيّة الصح..النية السليمة للمسلم هيّه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الحاكم حتى يقيم العدل والإصلاح السياسي. حتى يستطيع الأخ السلفي أن يطلق لحيته ما دون القبضة بدون الخوف من أن يؤخذ في معتقل بلا تهمة وبسبب قانون الطوارئ؛ حتى يستطيع الأخ الإخواني أن يصلي الفجر في المسجد بدون الخوف من أن يعتقل بلا تهمة سوى صلاة الفجر يومياً في المسجد وانتسابه إلى الإخوان المسلمين. حتى يأمن الأخ اللي ملوش في حاجة خالص غير الموسيقى والعربيّات على حياته، بدل ما يبقى خايف إنّه يتسحل على بير سلّم ويتضرب حتى الموت. عشان الصحفي المعارض يقول اللي في نفسه، في إطار احترام المقدسات وعدم إثارة الفتنة، بدون خوف من إنّه يترمى في معتقل بقية حياته. عشان الأخ القبطي يطمئن إنه مش عايش في دولة الشرطة والداخلية فيها مشغولة في تعذيب الشعب ومنشغلة عن حماية المنشآت، وجهاز مخابرات مشغول بالعناصر اللي عايزه تقلب الحكم عن تتبع المؤامرات الطائفية ضد الوطن. عشان ما نستوردش قمحنا من أمريكا ونصدر غازنا لإسرائيل وإحنا أصلاً معندناش كفاية لبلدنا، ونخسر المليارات كل سنة. عشان وعشان وعشان. عشان حاجات كتير، بس أهمها هي حقوقك انت كمواطن وكمسلم وكمسيحي وكامرأة وكإعلامي وكمصوّر وككاتب وكراجل غلبان عايز ياكل عيش ويحس بآدميته. ساعد محمد دياب وغيره، بأي طريقة، وكمّل المسيرة عشان نهضة بلدنا وأمتنا.

قالّك فتنة: ساء الخير يا فتنة!

حكومة خفيفة الظل وبتحب تعمل مقالب في الشعب، زي بالظبط أطفال الحضانة لما بيعملوا مقالب في بعض: جابولنا شوية بلطجية مرتزقة، ردّ سجون، قطاع طرق، عربجية، مع كام قائد من البوليس السرّي، شيّولوهم يُفَط مكتوبة بنفس الإيد الآثمة، ووفرولهم طوب وقنابل مولوتوف، وقالولهم هاجموا المتظاهرين دول عشان دول مش مصريين، ولكن إسرائيليين بيتكلموا عامّية مصرية...وبعدين راحوا مصورين المنظر وقالوا للشعب: إيه ده! الحقوا، بصوا! فتنة في الشعب المصري. قولوا للمتظاهرين بقه يرجعوا لاحسن كده كِخْ.

والناس بتصدّق. اللي بيصدّقوا دول بقه...هما السبب في الفُرْقة الفكرية دي، واللي أصلاً مش فتنة، لإن الفتنة تستلزم المعاداة بالقوة وفي أوجها إراقة دماء، وهو ما لا يفعله السُذّج اللي صدقوا الحكومة.

الجمعة، فبراير 4

يا "مثقفي" مصر: تكلموا الفُصْحَى بالذال والثاء أبوس راسكم!

كم أتمنى من كل مصري، بالذات من "المثقفين" ممن يتحدثون باستفاضة في قنوات التليفزيون والبرامج، أن يختار ما بين اثنين: إما أن يتحدث بالعامّية المصرية، أو يتحدث بلغة عربية فصحى سليمة؛ فينطق الذال ذال والظه ظه، بدلاً من نطقهما كالْزين، وينطق الثاء ثاء، بدلاً من نطقها كالْسين، وحبذا لو يعطّش الجيم أيضاً. لأن هذه "الزين" عمّال على بطّال حقيقة تؤذي أذني بشدة، أكاد أشمئز منها بعد دقائق، وأنا مصري.

الخميس، فبراير 3

تعليقات مواطن على تصريحات رئيس الوزراء أ. أحمد شفيق

شاهدت على يوتيوب لقاء مع رئيس مجلس الوزراء المصري، الفريق السابق الأستاذ أحمد شفيق، على قناة الحياة اليوم، وحصلت أيضاً على نسخة من حوار منى الشاذلي معه على قناة دريم ٢ في برنامج العاشرة مساءً، ووجدت نفسي أكتب التعليقات الآتية كمواطن عادي على تصريحات السيد رئيس الوزراء:

قانون الطوارئ
يا أ. أحمد شفيق، كلام محترم ومتواضع وجميل جداً، بتفكرني بأحب أعمامي ليّا كمان، لكن والله العظيم برضو حاسس إن كله سيناريو وحوار وضحك علينا. ليه بس كده؟ حد حيسألني ليه، حأقول هما المذيعين دول امتنعوا ليه في خلال عشرين دقيقة أهو من الحوار إنهم يجيبوا أي سيرة لقانون الطوارئ اللي بيخلي الداخلية والبوليس يعذبوا إخواتنا حتى الموت؟؟ ليه متكلمناش بجدية واستفاضة على إعادة انتخاب البرلمان؟؟ هوه الحاجات دي يعني غايبة عن حضرتك أو عن المذيعين؟ شيء عجيب فعلاً، أنا حأبكي من الحرقة على اللي بيتعمل فينا كشعب من كل الطبقات.

كلام مراوغ غامض دبلوماسي وطبطبة تستخف بعقولنا
أنا أخدت بالي إن الإجابات المباشرة قليلة جداً جداً، وكلها إجابات دبلوماسية وطبطبة. وحتى المذيعين نفسهم متعاونين. يعني مثلاً، السؤال بتاع وزير الإعلام...أصلاً السؤال نفسه مكنش محدد، لم يُذكر شيء عن التغطية المشينة للتليفزيون المصري لأحداث المظاهرات وإخفاء أمور كتير قوي قوي معرفنهاش غير من الإنترنت ومصادر أجنبية. فين الإجابات على ده؟ وقبل أصلاً ما النقطة تخلص، يروحوا المذيعين داخلين في سؤال تاني. أنا حتى لا أساند ولا أوافق على إسقاط الرئيس بالقوة وبأشرح ليه في مقالاتي الأخرى، ولكني بالتأكيد مساند وموافق على إن يكون فيه ضغط عليه وعلى حضرتك بإصلاح سياسي حقيقي، وبرضو بقول بتضحكوا علينا. ليه؟؟

الشعب كمان تكلّف الكثير يا سيادة رئيس الوزراء
كلّف الشعب كمان يا أ. أحمد شفيق. كلفه أكتر من ٣٠٠ قتيل (والبعض يقول تعدوا الألف الآن) وآلاف الجرحى، وإحنا شوفنا الفيديوهات والصور المشينة بعينينا محدّش قالّينا. الشعب اتكلف كتير قوي يا فندم، قوي. ومتلُمش الشعب يا أ. أحمد، لإن اللي هرّب آلاف المساجين والبلطجية من السجون أكيد يعني مش الشعب. مين اللي خرجهم من عشرات السجون في كل أنحاء الدولة؟ وإذا دول خرجوا، هل تملك حضرتك أو أي شخص في الإعلام المصري—اللي فقد مصداقيته تماماً—إنكم تتهموا من تسموهم "عناصر" في المتظاهرين؟؟ المتظاهرين هرّبوا مساجين من عشرات السجون في البلد يا فندم؟؟

يا تعديل دستور يا حلّ مجلس؟ فعلاً؟!
والتعليق بتاع حضرتك على نقطة الوقت والظروف بخصوص إن معندناش غير اختيار واحد من اتنين: يا إمّا حل مجلس الشعب وإعادة انتخابه وساعتها نستنّى بقه على تعديل الدستور، يا إمّا نسيب البرلمان زي ما هوه ونبدأ في إجراءات الطعن عادي عشان نعرف نعدل الدستور دلوقتي بالبرلمان الحالي، لإن الاتنين متوافقين أو لازم يكون فيه برلمان عشان الدستور يتعدل، وإن كان ظاهر الكلام أو لأول وهلة كلام منطقي، لكن يا أستاذ أحمد الشعب مش محتاج برلمان أو مجلس شعب عشان يتم تعديل كام مادة تتعد على الصوابع، وقائمة طلبات الشعب كانت واضحة بيهم، والناس حتى محضّرين إزاي يكون التعديل وإيه صيغة القانون الجديد وكل حاجة...الكلام ده يا فندم موجود بالفعل، وأبسط الخبراء القانونيين والسياسيين اتكلموا عليه وحاطوه على مدوناتهم ومواقعهم وبقالهم سنين أصلاً بيتكلموا فيه، ومش محتاجين برلمان عشان نعدّل الكام مادة دول ونشيل قانون الطوارئ ده. إزاي بس طالب من الشعب إنه يستنى ويشوف معاملة الشرطة وانت أصلاً مش عايز تشيل قانون الطوارئ يا فندم؟ ليه الاستخفاف بعقلية المواطن كده؟ الإنسان مش محتاج إنه يكون خبير قانوني أو محلل سياسي عشان يفهم الأمور اللي زي دي، ويعرف إن فيه عدم صدق أو إخلاص حقيقي في التصريحات اللي بتطلع.

فين الأمن أو الشرطة أو الجيش إنهارده يا فندم؟؟
وبخصوص غياب الأمن والبوليس اللي حضرتك قُلت إنك لسه متعرفش أي حاجة عنه، لكن حتعمل تحقيقات جادة لمعرفة المتسبب ومحاسبته، يا أستاذ أحمد شفيق ليه الاستخفاف بعقولنا بس؟ يعني حتى لو متعرفش سبب اللي حصل بالفعل قبل كده، إيه حكاية إنهارده؟ إنهارده إنهارده إنهاردااااااااا يا سيادة رئيس الوزراء! فين الشرطة وفين الأمن المركزي في شوارعنا دلوقتي في لحظات كتابة هذه السطور؟؟ مهما تحاول تدوّر على أعذار أو لف ودوران، فيه إنسان عاقل يقول إن لغاية إنهارده لا الجيش ولا الشرطة تدخلت عشان تحمي الناس وبيوتها ومحلاتها على الأقل حتى بالليل؟! ولو حد قالّي: أصلي الشرطة يا عيني خايفة من الشعب (ولا مؤاخذة مينفعش أصلاً أرد على حاجة زي دي لو حد قالها عشان مينفعش أحط الرد على مدونة عامة)، فخليني أقول ماشي..طب الجيش! شوية جنود على الأقل بأسلحة بسيطة على مداخل بعض الطرقات في البلد...داحنا عاشر أكبر جيش في العالم يا ناس، يبقى فينهم بس؟ وفين الجيش لما كان المتحف المصري بنفسه بيتكسر وبيتسرق؟! مفيش حاجة اسمها إنه تفاجئوا، ده كلام فاضي فااااااااااضي لإن أنا نفسي كمواطن عادي كنت عارف إيه اللي حيحصل لإن زي ما حضرتك بعضمة لسانك بنفسك قُلت، إحنا بننقل كتالوج تونس زي ما هوه...مدام حضرتك عارف وأنا عارف وأجهل مواطن برضو كان عارف، يبقى فين الجيــــــــــــش من أول يوم الشرطة اختفت فيه؟؟ وفين أوامرك لوزارة الداخلية ولا للجيش حتى، كراجل وخبير عسكري سابق، إنهم يحموا الشعب؟

رجاء من القلب من أجل الوطن
كلام في كلام في كلام يا سيادة رئيس الوزراء، واستخفاف بعقولنا...وانا كمواطن مصري بسيط زعلان قوي والله إن ده يبقى حالنا، حتى مع راجل بيتكلم بتواضع واحترام وهدوء زي حضرتك. ليه بس الكلام ده ميبقاش فيه إخلاص واحترام لعقول المواطنين؟ أقسم بالله العظيم أنا ما عايز أسقط حكم ولا رئيس، والله أنا مش عايز بس غير إننا كمواطنين ومسئولين ننقذ بلدنا، والمسئولية الأكبر على عاتقكم أنتم كمسئولين، ده حتى مفردات اللغة نفسها موضحة الفكرة. يا سيادة رئيس الوزراء أرجوك، أرجوك اعملوا تصريحات على الأقل تساعدنا إحنا كناس بنحاول نهدّي النفوس وبنقول اتركوا شخص الرئيس وركزوا على رسالة الإصلاح السياسي فقط من أجل توحيد الصفوف والكلمة وحقناً للدماء. لكن إزاي إحنا نقدر نقول الرسالة دي بإخلاص وقلب وإزاي الملايين يقتنعوا بيها والتصريحات فيها غموض ومراوغة بل واستخفاف بالشكل ده؟ المماطلة والتأخير ده لصالح مين؟ الدولة اقتصادها بينهار والخراب بيعمّ، ومحدش يقولّي إنه بسبب الناس اللي قاعدة في ميدان التحرير، لأه...لأه وألف لأه، المسئولين لم يسموا مسئولين إلا لأن المسئولية تقع على عاتقهم هم. إن حال البلد وصل إلى مرحلة قد تجعلني أرضى عن طيب خاطر ببقاء بعض أعضاء الحكومة السابقة، وبالتأكيد بقاء الرئيس إلى وقت انتخابات الرئاسة التالية، ولكن على الأقل، كحد أدنى، يجب أن يُلغى قانون الطوارئ ويُضمن للشعب تغيير المواد القانونية التي تضمن نزاهة وشفافية الانتخابات القادمة ويُحَلّ البرلمان. أعتقد أن هذا هو الحد الأدنى الذي لا يمكن أن يختلف عليه عاقلان مصريان، وفي نفس الوقت إني أؤمن أن تغييرات مثل هذه سوف تجعل الأغلبية العظمى تعود إلى بيوتها، على الأقل من أجل الوطن. أستحلفك بالله وبمن تحب من أولادك أن تنقذ الوطن. حدث الرئيس والمسئولين الآخرين عن هذه التغييرات. من أجل مصر. والله العظيم إن كل من يبحث عن مصلحته خارج مصر من الدول الأجنبية سيتخلوا عن كل مسئول، كائناً من كان، إذا أدى غرضه في نهاية الأمر، ورأينا هذا يحدث في التاريخ مراراً. فليس لنا غير هذا الوطن وحب أهل هذا الوطن لنا، وبعد الوطن ليس لنا سوى الله سبحانه وتعالى. أستحلفكم به وبكل من تحبون من فلذات أكبادكم، كمسئولين عن الدولة، أن تنقذوا الوطن، ولا تعاقبوه كله لأن نصفه طفح به الكيل من الظروف الاقتصادية وعدم الشعور بالأمن...بسبب قوات "الأمن".

—ياسين رُكَّه

*

الأربعاء، فبراير 2

يا أهل الثورة: اتركوا شخص الرئيس وركزوا على رسالة الإصلاح

الملخص:
ركزوا فقط على طلب إصلاح سياسي ينبع منه الإصلاح الإعلامي والاجتماعي. يا أهل الثورة، يا ثوريون مصر، اتركوا شخص الرئيس ورسالة إسقاطه، وركزوا بكل قوتكم وطاقتكم على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، بما يتضمنه ذلك من إصلاح دستوري. وإني أدعو إلى هذا الآن لأن هذه هي الرسالة الوحيدة التي يمكن من خلالها إعادة تجميع أكبر قدر ممكن من جماهير الشعب على هدف واحد. إن بعض المصريين الآن يتعاطف مع الرئيس المصري، والبعض الآخر يرى أن بعد خطابه الثاني يمكن أن نعطيه فرصة أخيرة، ولكي يكسب الثوريون هؤلاء الناس إلى صفهم ويجعلونهم يتعاطفون مع استمرار الثورة، يجب على الثوريين أن يغيروا رسالتهم الرئيسية الآن من رسالة لإسقاط الرئيس والهجوم على شخصه إلى رسالة تصميم على إصلاح سياسي جذري شامل حقيقي؛ أي أن تطلب الثورة من الرئيس أن يحقق للشعب القائمة الأصلية للمطالب الرئيسية، والتي كانت تخلو من أي ذكر لإسقاط الرئيس نفسه. اتركوا شخص الرئيس ورسالة الإسقاط يا أهل الثورة، وركزوا على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، حقناً للدماء، وتجنباً للفتنة، وتوحيداً للكلمة والهدف والمصلحة العامة، وتشبثاً بالقضية الحقيقية العميقة التي تحتاجها مصر الآن.

كلمة بالعامّية المصرية:
في ناس بيقولوا 6 أشهر مش كتير بعد 30 سنة. تمام كده، 6 أشهر فعلاً مش كتير بعد 30 سنة، وعشان كده بقول إن قضيتنا مش مبارك، ونفسي الناس تركّز. قضيتنا هيه إصلاح سياسي شامل وجذري وحقيقي، يعني مجلسي الشعب والشورى وقانون الطوارئ والقوانين للي الريّس متكلمش عليهم، إلى آخر القائمة. بصراحة، بعد أكتر من 300 قتيل وآلاف الجرحى، وبعد تدمير اقتصاد البلد، حرام الناس دي ترجع بيتوها من مولد بلا حمص...بدأوا حاجة، يخلصوها، بس يركزوا في المهم....عشان كمان الناس اللي عمالين يقولوا الريّس ده جميل وطعم ميبقاش عندهم مادة ينغصوا بيها على بتوع الثورة...ساعتها يقولوا بتوع الثورة، حنخليلكو الريس بتاعكم عشان مطعيّتوش، بس عايزين نتخلص من الفساد ونحصل على الإصلاح السياسي عشان دم الناس اللي ماتت ميرحش هدر...والتلاتين سنة اللي فاتت مكنتش مشكلة مبارك بس، وإنما قانون طوارئ وفساد سياسي.

التفاصيل:
سواءً أكنت كقارئ تعرفني أم لا، أريد أن أبدأ بتوضيح أنه يمكنك التأكد من هويتي المستقلة، وتفاصيل فِكْري، واعتدال منهجي، وحبي لوطني الأصغر مصر ووطني الأكبر العربي والأشمل الإسلامي، والتأكد أيضاً من مجاهرتي بالحديث ضد الفساد في مختلف الأنظمة السياسية، يمكنك التأكد من كل هذا من الكثير من المقالات الأخرى التي كتبتها على مدونتي وعلى صفحتي على فيسبوك.

كتبت في السابق، وقبل أول يوم لثورة مصر في 25 يناير 2011، أني ضد الثورات، خاصة عندما تكون في توقيت مثير للشك بشدة مثل وقتنا الحالي، وهو توقيت يأتي بعد الأحداث العنيفة في تونس (وهي دولة صغيرة المساحة بتعداد حوالي عشرة مليون فيسهل على جهاز مخابرات إحداث إضرابات ومظاهرات داخلها تتناسق مع تصريحات واتصالات داخلية من عملاء في مختلف أجهزة الدولة بما فيها الجيش)، وبعد أحداث الانفجار ما بين المسجد والكنيسة في الإسكندرية، وانفصال السودان. هذه الظروف والملابسات تلاحقت ثم توافقت بشكل مثير للشك مع هذه الثورة، فأحسست منذ البداية أن هذه الثورة ليست ثورتنا.

وكتبت أن البديل الذي كنت ولا زلت دائماً أؤمن به هو الإصلاح الاجتماعي أولاً، والذي يأتي منه—بدون الثورة—إصلاح سياسي وإعلامي. وهذه عملية بطيئة وصعبة بالفعل، ولكن هذا هو بالتحديد ما يجعلها مؤثرة وباقية. وإن من سنن الحياة هي أن ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً؛ وأن ما يأتي بالقوة لا يدوم. وهذا هو ما تحاول أن تقوم به الثورات: إصلاح وتغيير يأتي سريعاً وبالقوة في خلال بضعة أيام أو أسابيع؛ وهو تغيير من النوع الذي أؤمن أن لا بقاء أو دوام له. أما التغيير البطيء الذي يأتي عن طريق الإصلاح الاجتماعي، فهو ما يبقى. وهذه ليست أفكاري وحدي، بل إني تعلمتها من أمثال غاندي ومارتِن لُوثر كِنْج ومالكولم إكْس، بل ومن تعاليم عيسى أو المسيح ابن مريم عليه السلام، ومن سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن آيات الله، وهي كثيرة فيما يتعلق بهذه الرسالة وفيما يتعلق بقدرة الإيمان وصلاح القلوب (وهو المعروف بالإصلاح الاجتماعي في اللغة الغير دينية) على استحقاق نصر الله بل وأن يرزقنا الله من حيث لا نحتسب ومن السماء والأرض بسبب هذا الصلاح والتقوى والإيمان، حتى وإن كان هناك فساداً سياسياً من الحاكم أو الحكومة. ولكن للاختصار هنا، فقط أذكر آية واحدة وهي: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". فقلت أننا يجب أن نغير ما في نفوسنا كشعب أو على الأقل كأغلبية الشعب، فإن فعلنا فإننا إذن نستحق أن يغير الله ما بنا من استبداد وظلم ومصائب وذل وفقر.

سخر مني الكثير واتهمني بالتفلسف وعدم الواقعية، واختلف معي الأكثر، بل واختلف معي أعز أصدقائي وأهلي، وذهبوا ليساندوا الثورة ويشاركوا فيها أيضاً، سواء في شوارع مصر أو بأصواتهم وأقلامهم على صفحات الإنترنت والقنوات الإعلامية المختلفة. رأيت وسمعت شيوخاً وأئمة ودعاة ومثقفين وفنانين وصحفيين ومفكرين وإعلاميين وكتاب وسياسيين وأكاديميين يساندون الثورة، بل ويشاركون الجماهير في مطالبة مبارك بالرحيل، أو يساندون فكرة إسقاط الرئيس. فتحيرت ولم أعد أفهم ما الذي يحدث! لماذا ظللت لا أجد في عقلي أو قلبي الارتياح لمساندة هذه الثورة والانضمام إليها؟ يوجد الآلاف ممن يفوقونني حكمة وعلماً يساندونها، فلماذا لا أشعر بالارتياح؟ لماذا لا أسمع لهم؟ لم أدري، وكنت أتمنى أن يأتي يوم فأرى علامة واضحة تجبرني أن أعترف أني كنت واهماً وكنت مخطئاً عندما تحدثت ضد تلك الثورة، ولكن حتى الآن لم أرى علامة مثل هذه، وكم أتمنى أن أراها في أقرب وقت لأن اقتصاد بلدي ينهار والدماء تسيل والأجساد تتساقط وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبلا تغيير جذري يُذْكَر، وإن هذا ليجعل العين تدمع والقلب ينفطر...فكم كنت أتمنى أن أعود إلى وطني، ولكني أخشى الآن أن أجد نفسي أتساءل: إلى ماذا أعود؟ انهيار اقتصادي وخراب وفراغ قيادي وتنازع سياسي؟

استمرت الثورة أياماً، فوَصَلَتْ إلى مرحلة—حتى أنا نفسي رأيتها—تخطت نقطة اللا عودة بكثير. فوجدت نفسي أقول أنه قد فوات أوان الحديث ضد الثورة أو محاولة إثناء الناس عنها، وبما أن البلد تنهار اقتصادياً بسرعة جنونية، فمن الحكمة أن أغير ما أحاول توصيله للناس، حتى وإن كانت منصة خطابي متواضعة ولا تصل إلى الكثير من الناس في الوقت الحالي، فلعل أحدهم ينقل رسالتي إلى من يقتنع بها فيوصلها للكثير من الناس. وكتبت رسالة فأرسلتها إلى شبكة رصد الإخبارية آملاً أن يتخصروها في جملتين أو ما شابه وينشروها، خاصة وأن ما ذكرته باختصار هو أني أدعوهم إلى حث الشعب على الانتهاء مما بدأوه في أقرب فرصة ممكنة، وفهم مماطلة النظام على أنها مماطلة تدمر البلد واقتصادها وليست غباءً، وذكرت فيها بعض التفاصيل والشواهد على ما يحدث في البلاد من خراب وانهيار اقتصادي. ولكن للأسف، بالكاد حتى مرت 24 ساعة قبل أن تنتهي صلاحية رسالتي من المنظور العملي والسياسي.

 فاليوم، بعد الخطاب الثاني للرئيس مبارك بتصريحاته الإضافية، وتطورات الأحداث واتخاذ الثورة منحنيات جديدة، وظهور فتنة مخيفة في ميدان التحرير بالقاهرة، وبعد ظهور مناقشات كثيرة وتخبط فكري وانقسام وطني: بين قبول ما ذكره الرئيس في خطابه الثاني والرجوع إلى البيوت، وبين الاستمرار في هذه الثورة بأي ثمن، اليوم أكتب فأعيد رسالتي الأولى التي كنت أدعو لها قبل بدء الثورة أول يوم، ولكن هذه المرة، أضع رسالتي في إطار الثورة نفسها.

فبدلاً من الدعوة إلى إصلاح اجتماعي ينبع منه الإصلاح السياسي والإعلامي وبلا ثورة، الآن أدعو إلى استخدام الثورة، بمرحلة اللا عودة التي اكتسبتها، للتركيز فقط على طلب إصلاح سياسي ينبع منه الإصلاح الإعلامي والاجتماعي. أي أني أقول: يا أهل الثورة، يا ثوريون مصر، اتركوا شخص الرئيس ورسالة إسقاطه، وركزوا بكل قوتكم وطاقتكم على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، بما يتضمنه ذلك من إصلاح دستوري. وإني أدعو إلى هذا الآن لأن هذه هي الرسالة الوحيدة التي يمكن من خلالها إعادة تجميع أكبر قدر ممكن من جماهير الشعب على هدف واحد. إن بعض المصريين الآن يتعاطف مع الرئيس المصري، والبعض الآخر يرى أن بعد خطابه الثاني يمكن أن نعطيه فرصة أخيرة، ولكي يكسب الثوريون هؤلاء الناس إلى صفهم ويجعلونهم يتعاطفون مع استمرار الثورة، يجب على الثوريين أن يغيروا رسالتهم الرئيسية الآن من رسالة لإسقاط الرئيس والهجوم على شخصه إلى رسالة تصميم على إصلاح سياسي جذري شامل حقيقي؛ أي أن تطلب الثورة من الرئيس أن يحقق للشعب القائمة الأصلية للمطالب الرئيسية، والتي كانت تخلو من أي ذكر لإسقاط الرئيس نفسه. ركزوا على أهداف إقامة حكومة ووزارة جديدة بقيادات أصغر سناً ومحببة إلى الشعب قدر الإمكان، فمثلاً هناك الكثير من المصريين ممن يحترمون ويحبون شخصيات مثل أحمد زويل ومحمد البرادعي وأيمن نور وعمرو موسى، فإن استعان الرئيس ببعض هؤلاء في مراكز وزارية أو حكومية مختلفة لكان هذا من أفضل ما يرسله الرئيس إلى الشعب عن صدق نيته في الإصلاح السياسي؛ ركزوا على إلغاء قانوان الطوارئ وتعديل المواد الهامة من الدستور وإقالة مجلسي الشعب والشورى وإعادة انتخابهم بقوانين وإجراءات تضمن النزاهة والشفافية. اتركوا شخص الرئيس ورسالة الإسقاط يا أهل الثورة، وركزوا على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، حقناً للدماء، وتجنباً للفتنة، وتوحيداً للكلمة والهدف والمصلحة العامة، وتشبثاً بالقضية الحقيقية العميقة التي تحتاجها مصر الآن.

هل نحن في زمان حثالة الناس؟

قرأت على صفحة أحد أصدقائي على فيسبوك الحديث التالي، والذي ينشره بعض الناس الآن بمناسبة الثورات الحالية والهرج الذي يحدث في شوارع بلادنا: "'إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا'، وشبك بين أصابعه، 'فالزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرفه، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة.'"

بحثت أكثر في أمر هذا الحديث، وكتبت التالي كتعليق: أنا لم أكن مع الثورة، ولا أوافق على إسقاط أي رئيس أو حاكم بالقوة، ولكني أساند المطالبة بالحقوق والمجاهرة بإظهار الفساد بل والضغط على الحاكم أو الرئيس بإصلاح البلاد وإقامة العدل. وبناءً عليه أقول أني أتمنى أن يركز أهل هذه الثورة على قائمة طلباتهم فقط وبدون الخوض في الجزء الخاص بإسقاط الرئيس نفسه، لأنه إن أصلح الدستور واستأصل الفساد من البرلمان والوزارات واستعان ببعض القيادات المحبوبة للشعب في الحكومة والبرلمان الجديد، فالشعب سوف يهدأ.

وبعد توضيح هذا، أقول أن الحديث أعلاه لا علاقة له بما يحدث الآن، فهو لا يصح ذكره في هذه الأحوال. "مرجت عهودهم" أي فسدت وعودهم، فلم يفوا بها. "خفت أماناتهم" أي عم بينهم الغش والفساد، فلم يعد هناك أمانة. والمقصود هنا هو أنه إذا تفشى الفساد في قوم حتى أصبح هذا هو الحال في كل مكان في بلد ما، أي في كل شارع وركن ومبنى، فيجب على المسلم أن يلزم بيته وقتها ويملك عليه لسانه. وهذه أوقات لا نعيش فيها الآن، لأن الخير لا زال موجود والأمانة لا زالت موجودة، حتى وإن قلّت. وفي رواية أخرى لهذا الحديث، توضح الحالة المُشار إليها بطريقة أكثر تحديداً: "كيف بكم وبزمان أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا..." إلى آخر الحديث. فكما هو واضح، الزمان المشار إليه هو زمان يغربل في الناس كلهم، فلا يبقى فيهم إلا "حثالة من الناس"، وكما أكدنا هذا ليس زماننا. لا زال يوجد الكثير من الشرفاء والكثير من الخير.

أليس كذلك؟ ما هو رأيك؟ وهل يمكنك أن تسأل إماماً تعرفه عن هذا الحديث وإذا ما كان زماننا هذا هو المشار إليه في الحديث؟ للعلم، الحديث صحيح، وصححه الألباني رحمه الله.

الثلاثاء، فبراير 1

مطالب وحلول وسيناريوهات المرحلة القادمة

سألت شبكة رصد الإخبارية الشباب عن مطالب وحلول وسيناريوهات المرحلة القادمة، بعد هذه الثورة في مصر، فكتبت:
  • التركيز على إصلاح القوانين أو الدستور بما يتوافق مع العدل، وما يرضي الله فلا نتخذ قوانين تشجع السياحة مثلاً ولكن تدخل الفساد إلى بلدنا، وانتخابات نزيهة تمثل الشعب بالفعل وبجميع طوائفه وأحزابه ودياناته، على أن يكون التمثيل في مجالسي الشعب والشورى متوافقاً مع نسب الأغلبيات والأقليات في الشعب توافقاً عادلاً. فمثلاً، إن كان 90% من الشعب ينتمي إلى فريق س، و10% ينتمي إلى فريق ص، إذن فإن 90% من ممثلي مجلسي الشعب والشورى يجب أن ينتموا إلى فريق س، و10% من النواب يجب أن ينتمون إلى فريق ص.
  • إلغاء قانون الطوارئ وفتح الباب لحرية التعبير والاعتراض في إطار حازم من احترام المقدسات وأشخاص الأفراد وعدم الكتابة أو الخطابة بطريقة تثير أي فتن طائفية، وتعليم وإرشاد الجماهير والمثقفين ورجال الدين أنفسهم على التركيز على الأفكار ونقد الأفكار وحدها وليس الأشخاص
  • الاستعانة بفريق من الخبراء ورجال القانون في الخطوة الأولى وبالذات في الجزء الخاص بقوانين تضمن عدم استمرار أي رئيس لفترة رئاسة تزيد على فترتين لمدة ثمانية أعوام على الأكثر وبدون أي استثنائات من أي نوع
  • وضع شروط لاستمرار رئاسة أي رئيس لفترته الكاملة، ومن أهمها أن يقدم مكتب كل رئيس تقرير دوري للشعب كل ثلاثة أشهر، في الجرائد والقنوات التليفزيونية وعلى الإنترنت، يوضح كل ما تم في المشروعات التي كان يَعِد الشعب بها وقت الانتخابات. فإن اتضح وجود فشل بعد ثالث تقرير في الشهر التاسع وبدون وجود ظروف قصوى أو جديدة كحرب أو ما شابه، فتتم إقالة هذا الرئيس وينتخب رئيس غيره يعطي وعوداً واقعية وحقيقية للشعب بناء على دراسة ووعي
  • وضع قوانين أو شروط تضمن استقلالية أي رئيس منتخب من أي أحزاب سياسية أو دينية، وفي نفس الوقت تضمن عدل هذا الرئيس المستقل في التعامل مع كل الأحزاب الموجودة
  • الاستعانة بفريق من الخبراء في مختلف المجالات من أجل تحديد قرارات مرحلة الإنقاذ من أجل الحفاظ على هذا الوطن من الانهيار الاقتصادي الذي تزيد سرعته بجنون في ظل هذه الثورة وفي المرحلة اللاحقة
  • الاستعانة بفريق من السياسيين والإعلاميين للقيام بحملة إعلامية محلية وعالمية للإعلان عن أي قرارت في الفترة اللاحقة (مثل إلغاء تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل) بمنتهى الدبلوماسية، حتى لا تُفْهم أي قرارات على أنها إعلان حرب من قبل الرأي العام العالمي وحتى لا يستغل أعداؤنا هذه القرارات في اتهامنا بشيء أو تلويث سمعتنا؛ فمثلاً قد تأتي القرارات من باب الاحتياج المحلي الشديد. ويقوم نفس الفريق بطمئنة الرأي العام العالمي بأن الإخوان المسلمين لا يتحكمون في البلد، وأننا نضمن استقلالية رئيسنا ونمثل كل أحزاب وطبقات الشعب في البرلمان بطريقة عادلة، وهذا للرد على الإشاعات التي يرددها الإعلام العالمي عن مصر الآن وعن الإخوان المسلمين.
  • التركيز على بعض الأساسيات في المرحلة المباشرة مثل:
    • الاكتفاء الذاتي بإعادة إحياء الزراعة في بلادنا باستخدام كل الأساليب التكنولوجية الرخيصة نسبياً والموجودة بالفعل في تخضير الأراضي الصحراوية مثل Xeriscaping وإعادة تخصيب تربتنا الزراعية مثل Keyline design، مع التركيز على مزروعات محددة سريعة النمو والإنتاج (ولكن بدون استخدام أي مواد صناعية بالتأكيد) حتى يتم الانتفاع في أقرب وقت ممكن
    • توفير السكن الآدمي لأكبر عدد ممكن من الشعب، وبأسعار رمزية جداً، إما مدعمة من الحكومة أو كثمن التكلفة بدون أرباح للحكومة بعد استيراد المواد من الصين مثلاً، تدفع بالتقسيط كل شهر وبدون فوائد، بحيث يمتلك المواطن الوحدة السكنية بعد عدد من السنوات مثل عشرين سنة. والمقصود وحدات سكنية رخيصة، ولو حتى مصنوعة من بلاستيك أو خشب صناعي أو ما شابه، فتكون أفضل من حياة الملايين في المقابر والعشش بل والشوارع، وقدرة هؤلاء المواطنين في الدفع تأتي من النقطة التالية
    • توفير فرص عمل للمواطنين العاطلين في وظائف تتوافق مع كل أهداف الوطن الحالية، فمثلاً تتم الاستعانة ببعض العاطلين في المشاريع الزراعية المذكورة سابقاً، ويتم دفع رواتب لهم نتاج ما يتم بيعه محلياً من المنتجات الزراعية التي يزرعونها
    • إصلاح تعليمي شامل، بالاستعانة بخبراء في مختلف المجالات مع رجال دين، بحيث تخلو مناهجنا من أفكار مشبوهة دسها الغرب فيها، ويتم تدريس المناهج الدينية والدنيوية في إطار يبث التسامح الديني في قلب كل مواطن، ويحثه على التركيز على الأشياء التي تجمعه مع غيره من أبناء الوطن، سواء المشترك في الأفكار الدينية أو غيرها. مع بث روح حب الوطن والاقتناع بأن فساد الأفراد يؤدي إلى فساد الوطن وضياعه من الجميع
    • حملة إعلامية شاملة تقوم بجزء آخر من مهمة التعليم، فتعلم كل طبقات الشعب خارج المؤسسات الأكاديمية كل الأفكار والمعلومات التي يجب أن يعرفها أي شعب متحضر، مثل أساليب النقاش والتركيز على نقد الأفكار لا الأشخاص، والتسامح الديني والطائفي، وحب الوطن والحفاظ عليه، واحتياجات الوطن الحالية سواء في زراعات أو صناعات، وتحسين صورة هذه المجالات حتى لا تتركز أحلام المواطن والأهالي في مجالي الطب والهندسة ويعتبر أي شيء آخر فشل، وإعادة إظهار علمائنا ودعاتنا المعتدلين إلى ساحة الإعلام، والاستعانة بهم في القيام بحملة إصلاح اجتماعي شاملة
  • إعلام المواطنين أنه ليس من حق أي شرطي أو ضابط أمن مركزي التعامل بعنف أبداً مع أي مواطن، وأنه من حق المواطن الدفاع عن نفسه علناً في مواقف مثل هذا ومن حق المواطنين المحيطين أن يأخذوا أو يسجلوا الأدلة التي تثبت من بدأ بالتعدي، حتى تتم محاكمة كل معتدي بمنتهى العدل والحزم. والقيام بحملة إعلامية داخل أكاديميات وأقسام الشرطة نفسها، كي تعلم أفراد الأمن والشرطة في بلادنا ما لهم وما عليهم، وتردعهم بحزم ضد أي أساليب عنف مع أفراد الشعب. وتكون الرسالة هي أن الشرطي من حقه فقط الدفاع عن نفسه، واستخدام التكتيف أو ما شابه لتقييد الخارجين عن القانون، ولكن الضرب بأي شكل من الأشكال ضد القانون وتتم العقوبة عليه بحزم.
  • الاستعانة بفريق من الخبراء العالميين والمحليين في إيجاد حلول لازدحام المواصلات في العاصمة والمدن الكبيرة، والذي يؤدي إلى خسائر بالملايين يومياً وتعطيل للكثير من الأعمال، على ألا يركز الفريق فقط على حلول تدر بالربح على شركات محددة مثل كباري وما شابه، بل يتضمن حلول مثل تغيير تصميم الطرق أو الأرصفة لإعطاء الفرصة مثلاً لراكبي الدراجات على الحركة بسلام، وهو ما تفعله دول متقدمة كثيرة للحد من التلوث وزحمة المواصلات.
  • تمرير كل القرارات السابقة على البرلمان  بحيث يتم تمحيصها للتأكد من خلوها من أي فساد أو محسوبية أو منفعة خاصة لشركة على حساب مصلحة الشعب.
  • التعامل مع الشعب بمنتهى الشفافية، ومشاركة الشعب في كل الخطط العامة والقرارات عن طريق موقع أو مواقع إنترنت. بحيث يكون الشعب على دراية بما يجري من مشاريع وما تتخذه الحكومة والبرلمان من قرارات أو حتى ما يعملون على دراسته. وحبذا لو تم إضافة وسيلة تكنولوجية تضمن الديمقراطية الحقيقية للشعب، فمثلاً يسجل كل مواطن تفاصيله ورقم بطاقته على موقع حكومي، تأخذ عليه الحكومة آراء المواطنين في المشاريع والقرارات التي تُدرس، ويرسل المواطن موافقته أو رفضه، وتكون العملية آمنة من الغش أو الخرق بأن يتم مثلاً طلب إرسال رسالة من موبايل كل مواطن تؤكد التصويت الذي قام به على الموقع.
  • إعطاء المجال للشعب والشباب بالقيام بالإدلاء بمثل هذه الآراء بصورة دورية، على موقع حكومي مثلاً أو بأي طريقة أخرى
  • أخيراً، تهدئة نفوس الشعب، والتعامل مع الموقف على أن الشعب يريد انتخابات نزيهة تماماً لكل منصب، بدءً من منصب الرئاسة ومروراً بنواب البرلمان. وبناءً عليه، إعطاء الفرصة للرئيس حسني مبارك بأن يستقيل بشكل حضاري ويفسح المجال لانتخابات جديدة. وهذا حتى يظهر الشعب نفسه بشكل متحضر للعالم، وتتم عملية تسليم السلطة بسلام، وحقناً للدماء. وحتى إن ماطل الرئيس بعض الشيء، فإن التركيز على هذا الحل ولو ليومين قد يحسن صورة الشعب جداً ويجعل الجميع يتعاطف معهم إن اضطر الأمر إلى تحريك المظاهرات إلى داخل القصر الجمهوري، نسأل الله السلامة على مصر والمصريين. ومع هذا، فيجب الانتهاء من هذه الثورة في أسرع وقت لأن المماطلة ليست غباءً سياسياً، بل هي تدمر اقتصاد بلدنا سرعة جنونية، فيجب اتخاذ قرارات حازمة في أقرب وقت.

    رسالتي إلى شبكة رصد الإخبارية

    أرسلت منذ دقائق الرسالة التالية عن طريق البريد الإلكتروني إلى شبكة رصد الإخبارية:
    السلام عليكم،
    أنا مصري مقيم في إنجلترا، وكنت ممثل إعلانات معروف قبل أن أترك مصر منذ أعوام. لست عميلاً لأي جهة سياسية أو دينية، ولا أريد سوى مصلحة مصر. صفحتي على فيسبوك تشهد بتحدثي ضد نظام مبارك منذ أعوام، وكم كنت أتمنى أن تقوم هذه الثورة أو المظاهرات، بحجمها هذا، عندما عُذِّب خالد محمد سعيد حتى الموت. وبالرغم من كل هذا، فإني لم أكن أوافق على هذه المظاهرات من أول يوم لها، 25 يناير 2011، والتي تحولت إلى ثورة، والآن تنتشر في أنحاء الوطن العربي. والسبب في عدم موافقتي عليها هو أن عندي إحساس قوي أنها ليست ثورتنا نحن كمصريين أو عرب، بل من صنع أعدائنا، ويوجد شواهد عديدة أستنتج منها هذا الشعور والتحليل، ولكن أهمها هو التوقيت الذي جاء بعد أحداث الإسكندرية، وانفصال السودان، وثورة تونس (وهي بلد صغيرة من السهل بدء مظاهرات مؤثرة فيها عن طريق أي جهاز مخابرات)؛ وكنت أقول أن البديل هو ما كان يدعو له مارتن لوثر كِنْج وغاندي، تغيير من الداخل وانتفاضة أخلاقية بدلاً من الانتفاضة الثورية...أي أن يتحلى الشعب بالأخلاق التي تظهر عليه الآن في ميدان التحرير ولأعوام على الأقل ليس أيام، ولكن بدون ثورة...ويا له من حلم. ولكن الخوض في تفاصيل أكثر ليس موضوعي، لقد أردت فقط أن أعطي خلفية بسيطة جداً عن هويتي وفِكري وما كنت أدعو له منذ البداية. وأنا لا أعرف من أنتم من الأصل وما انتمائاتكم، وأدرك أنكم ذكرتم أنكم وطنيون تحبون مصر وفقط، ولكن بما أنكم تريدون النجاح لهذه الثورة، فإني أرسل لكم هذه الكلمات.
    لقد فات أوان الحديث ضد هذه الثورة، لأنها تعدت بكثير مرحلة اللا عودة، ويجب الآن أن تدركوا جيداً أن ما يحدث إنما هو مماطلة ولعب بالوقت لإحداث أكبر قدر ممكن من التدمير للاقتصاد المصري. ثورتكم هذه تكلف مصر وشعبها عشرات الملايين كل يوم، ويوجد تقارير تقول أن الميزانية الاحتياطية تعدت الربع أو 25% كحد أدنى للوصول إلى العجز! ومعنى حد أدنى أنه من المستحيل الحصول على أرقام دقيقة في ظل هذه الظروف، ولكن هذا هو التقدير كحد أدنى. وإن استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فقد تصل ميزانية الدولة إلى العجز التام خلال أسابيع قليلة. هذا غير أن هناك تقارير مؤكدة تقول أن أسعار المواد الغذائية الأساسية في ارتفاع جنوني ومستمر، وتسير معها في الارتفاع أسعار أنابيب الغاز والبنزين وما شابه. سلع كثيرة معطلة على سواحل البلد لأن خطوط التوزيع مغلقة. وغيرها من الأمثلة الكثير، واختصار الموضوع هو أن بلدنا تنهار يا خلق الله! مصر التي كانت دائماً القدوة وقائدة العرب، حتى في ضعفها، تنهار كل يوم بسبب ما يحدث. وإن مراوغات مبارك ليست من الغباء أو عدم معرفة ما يقوله الشعب، بل هي تنفيذ لأوامر تأتي له وهدفها هو تدمير اقتصاد هذه البلد تماماً. فأستحلفكم بالله أن تنتهوا من هذه الثورة في أقرب وقت ممكن...إن أردتم حقاً أن تثبتوا للعرب أننا القادة، ففاجئوا أعدائنا وانتهوا من هذه الثورة في وقت قياسي لا يستطيع أن يحاكيه أي بلد عربي آخر. وأرجعوا أنشطة وأعمال البلد إلى ما كانت عليه في أقرب يوم ممكن لأن مبارك عندما يتركها لنا قد لا يترك فيها أي شيء يذكر أو قد يتركها فقط عندما يقضي على اقتصادها، وكله بناء على الأوامر التي تأتي له! وقد تصبح مثل ألمانيا أو اليابان بعد الحروب العالمية، وبدون مساعدات أجنبية تساعدنا للوقوف على أرجلنا في القريب العاجل. أرجوكم أعلموا الشعب أن البلد تنهار كل يوم، وأن سرعة الانهيار تزيد كل يوم، فيجب الانتهاء مما بدأتوه في أقرب وقت ممكن. أخرجوا مبارك، شكلوا حكومة الإنقاذ، اختاروا الرئيس، وحثوا الجميع على حركة سريعة، بل حركة جنونية للإصلاح ولإنقاذ البلد، لأن هذه هي السرعة الوحيدة التي قد تساعدنا على إنقاذ البلد من الانهيار الجنوني الذي يحدث لها.

    الاثنين، يناير 31

    بديل الثورة

    كتبت:
    أيوه، كان فيه فوضى (قبل الثورة)، لكن فوضى تفرق عن فوضى وخراب ودمار واقتصاد انهار، في طريقه إلى انهيار أكتر. الناس بس مشغولة لسه بالثورة وبتأمين بيوتها وأهاليها...لسه لما الموضوع ده يهدى والناس تفوق من الصدمة ويبتدوا يبصوا حوليهم ويعدوا ويحسبوا ويشوفوا إيه فعلاً اللي حصل، حتكون الصدمة الكبرى. في راجل محترم طلع في الجزيرة بيقول إن خسائرنا مش حتكون زي خسائر تصدير الغاز لإسرائيل...يا ريت دي تكون الحقيقة فعلاً بعد ما الموضوع ده ينتهي، ومحدش عارف لسه حينتهي امتى.
    الثورة حل سريع لإجبار التغيير، واللي ييجي بسرعة ، بيروح بسرعة، والإجبار عمره ما بيجيب دوام الحال.
    وعامة ما تقلقش، أنا مش ضد الثورة دلوقتي، لإنه خلاص، الوقت متأخر أوي على إننا نقول بلاش كده يا ولاد...كل الحكاية دلوقتي، إني عايز أكبر عدد ممكن من المصريين، بالذت المثقفين، يحاولوا يفهموا الأمور على حقيقتها، ويفكروا بموضوعية وبدون عواطف عشان يشوفوا الأحداث صح وتكون توقعاتهم واقعية.
    سألني صديقي (باختصار): طب ولو مش الثورة دي يعني كان إيه البديل؟؟

    كتبت:
    البديل كان إصلاح قومي للنفوس؛ انتفاضة شعبية أخلاقية تاخذ سنين قليلة عشان ترجع الشعب إلى دينه وأخلاقه. البديل كان إن الشعب المصري يكون بأخلاقه اللي هوه عليها دلوقتي، بتعاونه ووقوفه جنب بعضه، بحفاظه على الأرواح وشجاعته في عدم ترك أحد أفراده يتخطف من قبل الأمن المركزي...البديل كان إننا نشوف كل الأخلاق الجميلة دي من غير ما كانت تقوم ثورة، نشوفها في شوارعنا وهيئاتنا الحكومية ومكاتبنا وفي كل حته. 
    واللي حيقولي أصلي الناس مكنتش لاقية تاكل، حأقوله وهيه دلوقتي لاقية تاكل؟؟؟ أبداً والله...كلها حجج. الإنسان اللي عايز تكون أخلاقه كويسة، حتكون أخلاقه كويسة حتى وهوه بيموت من الجوع. فبدل ما يكون فيه أنانية وجبن وغش وخوف ومحسوبية ورشوة وسرقة وقسوة وسفالة وقلة أدب وتحرش جنسي و...و...ربنا مكنش عايز مننا غير إننا نكون زي ما احنا إنهارده، لكن من غير ثورة...ونكون كده كل يوم، ويكون كده أغلبية الشعب، ويفضل برضو فينا معارضة شجاعة بتتكلم ضد الفساد وبتفضحه في الصحافة وعلى الإنترنت وكل مكان ممكن، لإن الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر وكلمة الحق في وجه حاكم ظالم كلها أجزاء من ديننا، لكن من غير ثورات...لغاية ما يأتي فرج الله، لأنه كان حقاً على الله أن ينصر ويعز المؤمنين، واحنا كشعب مكناش مؤمنين. وتحضرني آيات ربنا للمرة الألف:
    "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال".
    "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون".

    قراءة وتحليل بديل للثورات العربية وتصريحاتها

    قرائتي للتصريحات الحالية عن أحداث ثورة مصر والعالم العربي تختلف عن قراءة معظم الناس لها. مع احترامي لكل إخواني وأخواتي، ما أقرأه في التصريحات كالتالي:

    الغرب يخشى "يتمنى" انتقال عدوى الثورات إلى مناطق أخرى في العالم بما فيها المنطقة العربية وأفريقيا. الآن، وبعد الثورة التونسية والثورة المصرية، السياسة الأمريكية الماسونية المتنوّرة تخشى تنتظر بشغف العدوى، ولكني أقول أنها ليست عدوى بل شفاء وأؤكد أنها عدوى، شفاء عدوى للتخلص من مرض قديم والدخول في عهد جديد بمرض جديد بعون الشيطان للمتآمرين الغربيين.

    أما المرحلة القادمة فهي الأخطر. أمريكا لم تعد تملك من المصداقية السياسية ولا العتاد المادي الكثير، بل اقتصادها ودولارها معرض في أي لحظة للتبخر والسقوط نهائياً، فلن تستطيع أن تدخل مصر عسكرياً بنيّة الإصلاح أو حفظ الأمن.

    قد تحشد الأمم المتحدة، وهي الواجهة الرسمية للنظام العالمي الجديد، "قوات حفظ السلام" وتقحم بها مع بعض المرتزقة لتؤمن إسرائيل وتيسر التلاعب في البنية التحتية للنظام السياسي والتعليمي والإعلامي بما يخدم أجندة النظام العالمي الجديد والصهيونية الروثتشايلدية. ولكن إن أدى هذا إلى حرب قد تبدأ قبل أوانها، وأوانها هو تدمير اقتصاد بقية الدول الإسلامية، فسيمتنعون عن القيام بهذه الخطوة ويكتفون بإبقاء فراغ وضياع سياسي وقيادي في مصر وبقية الدول لأطول فترة ممكنة، حتى يتمكنوا من إنهاء ما بدءوه في تونس، وإصابة كل دول المنطقة به.

    في نفس الوقت، سيستمر المتآمرون في جر رجل الإخوان المسلمين—وهو المثال المصري—إلى الساحة السياسية، بل وإلى انتخابات الرئاسة إن استطاعوا، بإقناع الغرب بأن هذا هو ما سيحدث والاستمرار في الحديث عنه حتى يترسخ في العقل الباطن للغربيين وأيضاً في العقل الباطن للمثقفين العرب، وهو ما يُعْرف بالبرمجة التنبؤية (predictive programming)؛ وفي نفس المواد التي يعملون فيها لهذا الهدف، أيضاً يُخَوّفون العالم والمسيحيين والعَلَمَانيين العرب من حركات إسلامية أصولية—على حد وصفهم هم—مثل حركة الإخوان المسلمين!

    وهذا كله بمساعدة عملائهم على المستوى المحلّي، بين الإعلاميين العرب والنظام الفاسد، ب"إتهام" الإخوان المسلمين ببدء شرارة هذه الثورة، والتركيز عليهم قدر الإمكان في الإعلام المحلي، فقناة الجزيرة تظهرهم بطريقة يبدو في ظاهرها الشفافية والحياد، وبقية القنوات تتهمهم بالتآمر من أجل الثورة، ومع الإصرار على إرسال هذه الرسائل محلياً لفترة كافية، مع الوقت يقتنع بها الكثير من المصريين، نفس المصريين الذين يفتخرون بهذه الثورة ويحبونها، وبالتالي في العقل الباطن سيعتبرون الإخوان المسلمين أبطال، فيجروهم إلى الساحة السياسية أكثر بل ويأخذهم البعض بعين الاعتبار في انتخابات الرئاسة! ومع الوضع في الحسبان أن كل مؤسسة في العالم بها عملاء وخونة، فقد ينتهى الأمر بالإخوان المسلمين أنفسهم مقتنعين أنه من الصالح للأمة أن يغيروا رأيهم وسياساتهم السابقة، فبالفعل يشتكرون بشخصية من قياداتهم في انتخابات الرئاسة.

    وكل ما سبق من أحداث ومخططات قد يستمر إلى النقطة التي يُدَمَّر فيها اقتصاد كل دول المنطقة بطريقة أو بأخرى، سواء بثورة أو غيرها. وعند هذه النقطة، يبدأ—بإشارات خضراء من المتآمرين—يتضح محلياً وعالمياً أن حركات "إسلامية" مثل حركة الإخوان المسلمين تتحكم سياسياً في المنطقة، وتحصل إسرائيل بمساعدة الإعلام الغربي أخيراً على السبب الذي يبحثون عنه منذ فترة لشن حرب تكنولوجية جبارة على كل من يحيطهم من الدول، نفس الدول التي تم تدميرها واستنفاذها اقتصادياً وإرباكها سياسياً وإضعافها عسكرياً عن طريق هذه الثورات،...ونعم، قد تكون هناك عيون جالوت، ولكن قبل أن تأخذ الدول العربية نَفَسَها من الثورات وتستعيد قوتها! الجميع يعلم اليوم أن اقتصاد الدول التي ثارت انهار، والخراب والدمار عم في كل أنحاء البلاد، والخسائر قد تقدر بالمليارات أو أكثر، والجميع يقول أن كله في سبيل "الحرية" يهون، وأننا سنستعيد قوتنا بعد أن نتخلص من النظام الفاسد الذي كان يسرق البلد ويبيع في مصر مثلاً الغاز الطبيعي لإسرائيل بأبخس الثمن فيخسر البلد المليارات، وكله كلام جميل، ولكن هل تظنون أن إسرائيل ستدع لكم مجال إعادة بناء الاقتصاد؟ كم سيأخذ منكم إعادة بناء مثل هذه الخسائر والمباني التي دمرت؟ ألن يأخذ شيء مثل هذا عدة أعوام، خاصة وأن اقتصادنا وصناعاتنا وقدراتنا لم تكن تتنافس حتى مع الصين من الأصل؟ ونعيد فنسأل: هل تظنون أن إسرائيل ستترك لنا الفرصة؟ خاصة وأن السودان بدأت ثورتها بالفعل، وسوريا واليمن في خلال أيام؟ ليت الأمر بالبساطة التي يتخيلها الجميع. اقتربت الساعة وانشق القمر، أيها العرب والمسلمون.

    النصر ليس بالسرعة التي يتصورها الشاب المسلم البسيط. المهدي لم يظهر بعد، والجيش الآتي من ناحية خراسان لم يظهر بعد...والأهم، الأمة لم تستحق لا المهدي ولا النصر بعد...الأمة ثارت من أجل الحرية والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة والشرف والعزة والكرامة والوطن وهكذا، ولم تثور من أجل الله أو إعلاء كلمته أو إقامة دينه. والأهم، الأمة لم تغير من نفسها وتعالج الفساد الموجود في معظم القلوب بعد. وبالتالي، الأمة لم تستحق أي عزة حقيقية بعد.

    "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"—عمر بن الخطاب. بسم الله الرحمن الرحيم: "إن اللـه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ۗ وإذا أراد اللـه بقوم سوءا فلا مرد له ۚ وما لهم من دونه من وال". 11 الرعد. صدق الله العظيم.

    الخميس، يناير 27

    هذه الثورة ليست ثورتنا

    مقالة كتبتها لجريدة إلكترونية مصرية جديدة، مصر في الخارج Egypt Abroad، بعنوان: هذه الثورة ليست ثورتنا.

    الجمعة، يناير 14

    هل فصل الدين عن الدولة هو الحل؟

    تعليقاً على ما يقوله بعض الإخوة العرب عن أن فصل الدين عن الدولة هو الحل، أو العَلَمانية هي الحل، كتبت: مع احترامي لإخواني، ولكن قبل أن نقرر أن فصل الدين عن الدولة جيد، أياً كانت الأسباب—مثل المشايخ الفاسدين أو ما شابه، فيجب أن نثبت أولاً أن فصل الدين عن الدولة له نتائج إيجابية. وبناءً عليه، فهل عندنا أي دلائل أو شواهد أن فصل الدين عن الدولة، أو الفكر المعروف بالعَلَمانية، بفتح العين واللام لأنه فكر لا يمت للعِلْم بصلة وإنما للعالَم الذي نعيش فيه ومنه العَلَم، هل عندنا دلائل أن العَلَمانية أسلوب ناجح في إدارة وقيادة الدول؟

    هل تسرع البعض وأشار إلى الدول الغربية؟ هل نجحت الديمقراطية في أمريكا مثلاً؟ إذا انخدع البعض بقوة أمريكا اليوم، فما يجهله الأغلبية العظمى من الناس هو أن أمريكا عليها ديون تقدر بأربعة عشر تريليون دولار، وتزيد ديونها بحوالي مليون دولار كل نصف دقيقة! واقتصادها وعملتها الدولار في طريقهما إلى الانهيار التام، والانتخابات هناك لا تزور كتزوير الانتخابات في بلادنا العربية، ولكن يتم إعانتها بأساليب علمية في الإعلام أو البروباجانْدا التي تغسل أمخاخ الشعب وتجعلهم يختارون الرئيس الدمّية الذي يريده علية القوم من أصحاب البنوك والشركات العملاقة، وكل هذا مدون في أبحاث الغربيين الذي ينقبون عن الفساد في بلادهم. أما عن البلاد الاسكندنافية مثلاً، فتكفي لنا الإحصائيات بنسب الطلاق والاكتئاب النفسي والانتحار، وتكفي شواهد التفكك العائلي وعدم احترام الآباء والأمهات، والشذوذ الجنسي الذي يؤدي إلى التفكك الأسري أكثر وقلة الإنجاب أكثر؛ والثقافة واللغة وهوية البلد نفسها تتآكل كل عام. كل هذا مبني على دراسات، ومن كان عنده الوقت والرغبة، فله أن يبحث ويتأكد بنفسه من كل هذا.

    مما درسته، ومن حياتي في دول غربية، بما فيها أمريكا وإنجلترا وفنلندا (وهي بلدي الثانية التي ولدت فيها وهي بلد اسكندنافية)، أستطيع بثقة أن أؤكد لكم أن فصل الدين عن الدولة ليس الحل، بالذات لمعشر العرب. 

    عمر بن الخطاب قالها منذ مئات السنين: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. إن ما أخرجنا، كعرب، من حياة الخيام والإبل كبدو وعبيد وقبائل إلى العالم الخارجي، لنحكم نصفه لأكثر من أربعة عشر قرن، وهي أطول فترة مسجلة في التاريخ لثقافة أو حضارة واحدة تعيش في رخاء ونجاح، ما أخرجنا من حالنا ذلك إلى أن نحكم نصف العالم بالعدل ونخرج من بيننا العلماء كان إيماننا بالله وطاعتنا له، فقط لا غير.

    ابحث عن الحل في الديمقراطية أو الرأسمالية أو الشيوعية أو الباذنجانية كما تشاء. تعلم الطب والهندسة والكيمياء والذرة كما تشاء. بدون طاعة وعبادة لله، وهذا لا دخل له بمشايخ النظام الحاكم أو الفضائيات، فأنت لا شيء ولن تغير في بلدك شيء. أنت لا شيء بدون الله، وهذا هو قدرك كعربي. وليس المقصود ترك العِلْم الدنيوي لإقامة الشعائر الدينية، بل الموازنة، فإن العمل عبادة طالما لم يؤثر على الفرائض؛ ولكن عندما نقول أن العمل عبادة، فهذا معناه أن نيتك من العمل ومن طلب العلم الدنيوي يصبح عبادة إن كانت هذه هي نيتك وهذا هو ما تريد أن تفعله من عملك أو مذاكرتك: أن تعبد الله وتطيعه وتعلي راية دينه. عندما تعلم وتوقن بذلك، ويوقن بذلك عدد كافي من إخوانك العرب حولك، وقتها يأتي فرج الله.

    والمقصود...الحل هو الرجوع إلى الله، التمسك بحبل الله، وطاعة الله وحده في كل خطوة ولحظة في حياتِك.

    تحديث:

    قرأت مؤخراً مقالة تدافع عن العَلَمانية، وتؤكد أن لا علاقة لها بالإلحاد، وأنه لا يجب معاداة هذا الفكر بل فهمه بعقلانية. أيضاً لمحت المقالة إلى أن من يعادي العَلَمانية غالباً ينتمون إلى الفكر الإسلامي الأصولي، وكأن الأصولية فكر يجب النفور منه والعَلَمانية فكر يجب فهمه وتبنيه.

    أولا، دعوني أتخلص من نقطة الأصولية هذه. أنا لست أصولياً ولا سلفياً ولا أنتمي إلى أي فكر أو حزب ديني أو سياسي محدد، على الإطلاق، وسأحاول أن أحتفظ بهذه الحالة حتى آخر يوم في حياتي؛ هويتي هي التوحيد بالله وحده لا شريك له، والإيمان برسله كلهم، محمد وعيسي وموسى وإبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه، ومنهجي هو منهج الوحدانية الإبراهيمية السمحة والتي تركها لنا واضحة رسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم. يعني أنا مسلم بسيط، وأحاول أن أتحرى الوسطية والاعتدال والصراط المستقيم قدر المستطاع. وبعد أن أخرجت هويتي الفكرية إلى النور، أقول أن الأصولية كلمة أيضاً يساء فهمها كثيراً، تماماً كما ذكر كاتب المقالة عن إساءة فهم كلمة العَلَمانية. الأصولية من الأصول، وجذرها الأصل؛ والسؤال هنا هو: ما هو العيب في اتباع أصول اللغة؟ أو أصول الفقه؟ أو أصول الفيزياء؟ كتاب الفيزياء الذي كنت أدرسه في مدرستي باللغة الإنجليزية كان اسمه: Fundamentals of Physics، أي أصول الفيزياء. فما هو العيب في أن تتمسك بأصول أي علم في الحياة، سواء علم ديني أو دنيوي؟ هل أجرم الأصولي الفيزيائي الذي يتمسك بأصول الفيزياء؟ إن لم يكن، فلماذا تعيب على الأصولي الفقهي أو الأصولي الإسلامي؟ سبحان الله، إن كان أصولياً، فهو يتمسك بأصول دينه، وهذا لا عيب فيه، بل هذا هو التدين الصالح، لأنك إن تركت أصول دينك، فماذا تبقى من دينك كي تتمسك به؟ سفاسف الأمور وسطحية الفكر؟؟

    وبناءً عليه، فإن قلنا أن الأصولي الإسلامي، الذي يريد أن يتمسك بأصول دينه، وبالتالي لا يعطي السياسة والتشريع إلى الإنسان، بل إلى خالق الإنسان، كما أمره الخالق في كتبه السماوية كلها، عندما يعادي الفكر العَلَماني الذي يريد أن يضع السياسة والتشريع في يد الإنسان وقوانينه الوضعية، فهو لا يخطئ ولا يجرم ولا يتطرف. أبداً، بل إنه يتمسك بأصول دينه وبهويته وبأوامر الله سبحانه وتعالى.

    وتريد أن تأتي أنت فتقول أن الفكر الأصولي يعادي الفكر العَلَماني الذي تدافع عنه، وكأن هذه المعاداة تشدد أو تطرف فكري؟ أبداً والله، بل إنّك، إن كنت تساند العَلَمانية، ومن معك ممن يُجَمِّلُونها لعامة الناس، تريدون أن تُخْرِجُوا الله من دائرة التشريع ووضع القوانين، وتضعوا مكانه حفنة من الرجال ممن لا نعرف نواياهم ولا هويتهم الحقيقية ولا أجندتهم ولا إنتمائاتهم؛ ومن حَكَّمَ غير الله فلا يصح له أن يدعي الإيمان بالله، لإن الإيمان بالله يتم إثباته بالفعل، لا بالقول، وليس المقصود التكفير—حاش الله، بل المقصود أن كل إنسان حر في اختيار أسلوب حياته ودينه، لكم دينكم ولي دين، ولكن لا تدعي أنك تؤمن بشيء وفي نفس الوقت لا تريد اتباعه. وأنت حرّ طالما لم تضرّ. ولكنك إن أصبحت تدعو إلى "فصل الدين عن الدولة"، و"إبعاد الإسلام عن القانون والسياسة"، ففي حقيقة الأمر هذا التعبير ما هو إلا وصف غير مباشر، كان نتيجة عملية تجميل لفظي للفعل الحقيقي الذي كان يجب أن يوصف، والفعل الحقيقي هو: أخذ أجزاء من الإسلام وترك أجزائه الكثيرة الأخرى، وهذا ما لا يرضي الله تعالى لأن الله أمرنا في كتابه الكريم أن ندخل في السِلْمِ—أي الإسلام—كافة، يعني كلّه. فلا يجوز ولا يصح أن نأخذ من الإسلام بعض الشعائر كالصلاة والصوم والحج، فيصبح الإسلام للمسجد وبعض حجرات المنزل فقط، ولا نأخذ من الإسلام تشريعاته وقوانينه السياسية والاقتصادية في إدارة الدولة، وبالتالي نكون معرضين إلى منع حجاب المرأة في المؤسسات الأكاديمية والحكومية، وتحليل المعاملات الربوية في البنوك، بل وفي نهاية المطاف قد نحلل بيع المجلات الإباحية وتوفير المواخير وبيوت الدعارة التجارية في الشوارع بحجة تنشيط السياحة وأننا نبيع الخدمات للأجانب وليس للمسلمين! وكل هذا يودي بالدولة إلى هوية لا تمت بأي صلة إلى هوية الإسلام.

    إن الإسلام طريقة حياة وحكم قانوني وبيع وشراء وتعاملات مدنية ومعاملات اقتصادية، ليس فقط شعائر تعبدية. وأي شخص يقول شيئاً غير هذا فهو إما شخص يعادي الدين والإسلام سواء جهراً أو سراً، أو هو شخص جاهل صدق الشخص السابق، ولا يصح للمسلم الغيور على دينه أن يصدق كلامهم أو يسكت عليه، حتى وإن تشدقوا بألفاظ مثل "الله جل في علاه" أو "الرسول عليه أزكى الصلاة والسلام" أو "ديننا الحنيف". وتذكر دائماً أن هناك من المنافقين ممن استطاعوا أن يضعوا الودّ في قلب الرسول نفسه—صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله فيهم آيات تكشفهم على حقيقتهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى فيهم: "ومن النّاسِ من يُعْجبُكَ قَوْلُهُ في الحياةِ الدنيا ويُشْهِدُ اللـهَ على ما في قلبهِ وهو ألَدُّ الخِصَام" (204) سورة البقرة.

    فاحذر أخي المسلم والمسلمة من تصديق أي شخص يدّعي أن العَلَمَانية أو فصل الدين عن الدولة هو فكر مسالم ولا يعمل ضد الإسلام. كما ذكرت، هؤلاء الأفراد إما كارهون للإسلام وإما غسلت عقولهم فتقبلوا هذا الفِكْر من الغرب، والذي في أساسه بدأ كنتيجة لجرائم الكنائس الرومانية—والتي كانت لا تمت بصلة لتعاليم عيسى عليه السلام—في عصر ظلمات أوروبا، العصر الذهبي للأمة الإسلامية، حيث كان رجال الدين الفسدة في أوروبا آنذاك يحرقون العلماء بحجة كُفرهم. العَلَمانية كانت الابن الغير شرعي لاغتصاب الكنائس الرومانية للعِلْم الدنيوي وعلمائه. وإن نفع معهم هذا الفكر اليوم في الغرب فهو لن ينفعنا نحن كمسلمين، لأن ديننا، كما ذكرت سابقاً، ليس فقط شعائر تعبدية مثل الصلاة والصيام والذهاب إلى المسجد مرة في الأسبوع. بل إن ديننا يفرض على الرجال المسلمين أن يصلوا في المسجد خمسة مرات في اليوم الواحد، ليس مرة واحدة في الأسبوع! والإسلام له تشريعاته التي تتعلق، ليس بحياة الفرد المسلم فقط، بل بالتعاملات الأساسية في المجتمع المسلم كله، تشريعات اقتصادية وسياسية واجتماعية.

    وبناءً عليه، فإنّ التخلي عن تلك الأجزاء القانونية من الدين وإبعاد الدولة عن تلك الأجزاء معناه تخلي الدولة، بحكومتها ودستورها، عن الإسلام تماماً، لأن الله لم يفرض الصلاة والصوم على دولة، بل فرض الصلاة والصوم على الفرد وفرض على الدولة إقامة القوانين التي وضعها الله للمجتمع المسلم. فإن أصبحت الدولة عَلَمانية تماماً، ولم تطيع الله بتطبيق قوانينه، فأين تكون هويتها المسلمة إذن؟ ماذا تفعل الدولة وقتها حتى نسميها دولة مسلمة ونسمي البلد بلد مسلمة؟ ولماذا لا تكون الدولة مسلمة إذا كان أكثر من 90% من سكانها مسلمين وكان أغلب هؤلاء المسلمون يحبون دينهم؟

    وإن قال قائل أننا نتجنب أن تكون هوية الحكومة مسلمة لأن هناك أقليات، لقلنا أن الإسلام يفرض قوانيناً تحفظ حقوق الأقليات وغير المسلمين، ولا تُفَرِّق أبداً بين مسيحي ومسلم أو حتى كافر ومسلم عندما يتعلق الأمر بحقوق مدنية كمواطن.

    إذن لا يوجد أي حجة على الإطلاق لأن تتخلى الدولة عن الإسلام كلية بهذه الطريقة، فتصبح دولة عَلَمانية.

    وحتى لا يظن البعض من قليلي العلم أني أدعو إلى تطبيق تشريع قطع يد السارق ورجم الزاني الثيب وهكذا، وهي الأمثلة التي يعشقها كل من يكره الدين فيذكرها كلما أراد أن يبرر فصل الدين عن الدولة، إني أؤكد أن هذا لم يكن منهج الله في تقديم شرائعه للمجتمع المسلم وتربية هذا المجتمع عليها، ولم يكن هذا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام في تطبيق تلك الشرائع. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فداه نفسي، من بُعِث رحمة للعالمين، له قصة معروفة بأنه أخذ يرد امرأة مسلمة جاءت تعترف بالزنا وهي ثيب، تارة حتى تضع ولدها—وكانت حاملاً، وتارة كي ترضع رضيعها، إلى آخر الرواية؛ أي أنه—عليه الصلاة والسلام—كان رؤوفاً ورحيماً بالناس أيما رحمة. وبعيداً عن الفقه وتفسير الحديث، أسأل كل شخص منصف: بالله عليك، لو أن هذه المرأة لم ترجع مرة واثنين وثلاثة تعترف بخطيئتها للرسول، هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام سيسلط عليها رجال شرطة أو مخابرات كي يحضروها ليتم عقابها؟ أم أنه كان يردها وهو يتركها تماماً لقرارها هي سواء بعد شهر أو عام؟ ثم هناك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أوقف عقوبة قطع يد السارق مؤقتاً في وقت عانت فيه الأمة مما نسميه المجاعات. والشاهد من هذه الأمثلة وغيرها الكثير، ومن منهج الله في تقديم شرائعه للناس وتربيتهم عليها، ومن طريقة تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه لهذه الشرائع، الشاهد هو أن الإسلام دين رحمة، يفرض على الدولة أولاً توفير الحياة الآدمية والعادلة لشعبها، توفير العدل والأمان والوظائف والتعليم والإعلام، وحماية الناس من كل ظلم وفساد، قبل أن تبدأ في تطبيق أي عقوبات رادعة وما شابه.

    هذا هو ما أعرفه عن الإسلام وعن منهجه. وبناءً عليه أعرف أنه لا يوجد أي خوف من تطبيق الإسلام من قبل الدولة، لأنه لا إكراه في الدين والدين نفسه دين رحمة، وإن من يستخدم الأمثلة الفاسدة من متنطعين ومتشددين، كي يخوف بسطاء الناس من الدين، شخص جاهل بحقيقة هذا الدين، أو كاره للإسلام—سواء أكان عالماً بحقيقته أم جاهلاً بها. والسبب في كراهية معظم هؤلاء العلية من القوم للإسلام هو نفس سبب كراهية فرعون لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ونفس سبب كراهية الرومان والأحبار الفسدة من اليهود لرسالة عيسى عليه الصلاة والسلام، ونفس سبب كراهية سادة قريش لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام؛ كل هؤلاء كرهوا رسالات التوحيد التي أتى بها الرسل لأنه كان واضحاً تماماً لهم من الرسالة أنها تجعل الناس أو الشعوب تطيع الله سبحانه وتعالى وحده بدلاً من طاعتهم هم، بجنودهم وحاشيتهم. رسالات التوحيد هذه تأخذ السلطة والحُكْم من شرذمة قليلة من علية القوم، والكثير منهم فسدة وجشعون، فتعطي الله وحده السلطة والحُكْم وتجعل القادة فقط راقبين على أمر الله، وهو ما لا تريده ولا تحبه هذه الشرذمة.

    ولكل زمان ومكان شرذمة من علية القوم هؤلاء، سواء فراعنة مصر القديمة، أو الرومان، أو الأحبار الفسدة، أو سادة قريش، أو فراعنة مصر المعاصرة، أو فراعنة النظام العالمي الجديد، أو صهاينة روثتشايلد، أو الماسونيون، أو المتنوّرون؛ معظم هؤلاء يحبون المال حباً جماً، ومعظمهم متكبرون جبارون عنيدون. تآمر السابقون منهم ومكروا وكَذَبُوا وكَذَّبُوا وأضلوا، ويتآمر الحاضرون منهم فيمكرون ويَكْذِبُون ويُكَذِّبون ويُضِلُّون. وللأسف، هناك من الناس البسطاء، ومن المثقفين ممن طغت عليهم أهواؤهم وغلب عليهم حبهم للدنيا، ممن يسمع لهؤلاء الكاذبين المضللين، والكثير من كذبهم اليوم مزوّق ومنمّق، فيصدقونهم ويدعون دعوتهم، وهي ظاهرها الود وباطنها ألدّ الخصام والعداء لتوحيد الله والدين كله.

    الاختصار هو أن تطبيق الإسلام بكلّيته يأخذ السلطة الحقيقية والحُكْم النهائي من الملوك والرؤساء والحكومات، فيعطيهما لله وحده. علية القوم يكرهون هذا، فيتآمرون ويخططون ويمكرون في كل مجال من مجالات الحياة، سواء العلوم البيولوجية أو العلوم الاجتماعية أو السياسية أو الرسائل الإعلامية أو المواد الترفيهية، كي يقنعون الشعوب بأن تطبيق دين الله في حياتنا بكلّيته هو شيء مخيف أو لا جدوى منه في العصر الحديث، ويقنعونهم تارة بالرأسمالية وتارة بالاشتراكية وتارة بالعَلَمَانية كمنهج أفضل في إدارة الدول ووضع القوانين. وعندما ينجحون في إقناع بعض الإعلاميين والمثقفين بهذه الأفكار، فإن مهمة توصيل هذه الأفكار للشعوب وإقناعهم بها تصبح وكأنها نجحت بالفعل. والهدف في أغلب الأحيان هو احتفاظهم بالقوة والسلطة والمال، وفي أحيان أخرى الهدف هو إشباع رغبات كُفْر صريح وعبادة ما دون الله تعالى، نتيجة لخلل أو مرض روحي أو نفسي في بعض هؤلاء الأفراد من علية القوم المتكبرين الجبارين العنيدين. نسأل الله أن يهدي بعضهم إلى التوحيد بالله على سنّة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى تُهدى على أيديهم ملايين البشر.


    الخميس، يناير 13

    التدين والأخلاق: الموازنة التي تتملص

    وصلتني رسالة بريد إلكتروني اليوم، يبدو أن الناس تتناقلها كثيراً، بعنوان "علاء الأسواني في إحدى أهم مقالاته". والمقالة في الرسالة كانت بعنوان "الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين بلا أخلاق". ولكني عندما بحثت عن المقالة على الإنترنت، وجدتها على موقع يبدو أنه مدونة الدكتور علاء الأسواني نفسه، وكانت بعنوان مختلف: "هل المصريون متدينون فعلاً؟".

    وما لفت انتباهي في الرسالة التي وصلتني هو أن من شكّلها أو صمم الخط والألوان في محتواها يبدو أنه يقصد زرع فكرة محددة في عقل القارئ، وقد تكون أجزاء من هذه الفكرة واضحة في طريقة تشكيله لعنوان المقالة، واختياره للعنوان الذي تغير من العنوان الأصلي الذي يستخدمه الدكتور علاء في مدونته. فإن الكلمتين الأخيرتين في العنوان الذي استخدمه من شكل الرسالة الإلكترونية، "بلا أخلاق"، كان حجمهما أصغر بطريقة ملحوظة من بقية الجملة: "الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين"، وكأن الشخص الذي شكل الرسالة الإلكترونية يريد أن يفصل بين الجزئين في العقل الباطن للقارئ، فيغير معنى المقالة من المعنى المخصوص الذي استخدمه الدكتور علاء إلى معنى ورسالة أخرى، وهي أن الأخلاق أفضل من الدين! والصورة التالية التي أخذتها كما هي من الرسالة الإلكترونية توضح ما أقصده بطريقة مرئية:

    وبعد الانتهاء من هذه الملاحظة عن الرسالة التي يتناقلها الناس، أريد أن أضيف بعض التعليقات على المقالة نفسها. الدكتور علاء أديب يحترمه ويقدر فنه في الكتابة الكثير من الناس، ولكني كنت أفضل أن يستخدم كلمة غير كلمة "التدين" في مقالته، حتى لا يأخذها بعض الناس، بالذات من الجهال والعَلَمانيين، خارج سياقها، وحتى لا يستخدمها بعض الأفراد كما استخدمها الشخص الذي غير عنوان المقالة بل وغير حجم الكلمات وهو ينشرها على الإنترنت كما هو موضح أعلاه.

    كنت أفضل أن يعالج الأستاذ علاء كلمة التدين نفسها قبل أن يشرع في استخدامها. أدرك أنه شَرَح ما يعنيه في المقالة، ولكني أتحدث عن معالجة محددة للكلمة نفسها، موضحاً أنه يجب أن يفهم الناس المقصود منها. فما هو معنى كلمة التدين؟ ما هو المقصود بالتدين؟ هل التدين مثلاً إقامة الشعائر الظاهرية لدين ما؟ هل هذا هو التدين؟ أم التدين هو التمسك بكل تعاليم الدين؟ 

    إن كان التدين هو إقامة الشعائر الظاهرية فقط لأي دين، لكان يجب إثبات هذا بالأدلة والمنطق والأمثلة. أما إن كان التدين في حقيقته هو التمسك بكل تعاليم الدين، للم يصح من الأصل أن نقول أن الكاذب المنافق المرتشي البذيء السليط اللسان الغشاش الفاسد، الذي لا يغض بصره ولا يحترم حرمات الناس، ولكن يصلي ويصوم ويحج ويعتمر، هو شخص "متدين"! إن لم يكن التدين هو فقط إقامة الشعائر الظاهرية للدين، بل العمل بكل تعاليم الدين، للم يصح أو يجوز أن نقول على أي شخص أخلاقه ضد الأخلاق التي يدعو إليها الدين ولكنه يصلي أنه شخص متدين.

    كان يجب أن تُعالج هذه الكلمة، وبعد معالجتها، كان يمكن أن نرى أنه من الأولى استخدام مصطلح أو تعبير آخر، مثل "إن الأخلاق بلا شعائر دينية ظاهرية أفضل من إقامة الشعائر الظاهرية وإضاعة الأخلاق أو الخلق الحسن". ووقتها لو انتقد شخص هذا الكلام، لكان يمكن أن نستشهد بالأحاديث الصحيحة التالية: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق"؛ "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن جادل أحدهم بأهمية الصلاة دوناً عن أي شعائر أخرى، لوافقنا على أهمية عدم إضاعة الصلاة أو تفويت وقتها على أي شيء آخر للمسلم، ولكن يجب أن يعي المسلم أن الصلاة قد لا تكون مقبولة من الأصل إن لم يتحلى الشخص بالخلق الذي يجعله فعلاً في صلاة بدلاً من أن يكون ببساطة ينقر رأسه على الأرض ويحرك جسده فقط، ولقلنا أيضاً أن بعد الصلاة لا يوجد أي عبادة أخرى أهم من الخلق الحسن والتخلق بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، والذي بعث رحمة للعالمين، بشهادة الحديث الصحيح نفسه أن حُسْن الخلق أثقل شيء في ميزاننا يوم القيامة.

    على الجانب الآخر، إن أراد شخص ما، بالذات العَلَماني أو الجاهل، أن يستخدم هذا الكلام كي يبرر ترك الشعائر الدينية تماماً والاكتفاء بالأخلاق الحسنة، لقلنا أن هذا لا يصح ولن ينفع المسلم يوم القيامة، على الأقل وبالذات عندما يتعلق الأمر بالصلاة على وقتها خمس مرات في اليوم للمسلم، بشهادة الحديث الصحيح: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله"؛ وهو نفس الحديث الذي يمكن أن نستشهد به على أهمية "صلاح" الصلاة، لأنها إن فسدت بسوء الخلق والطمع والجشع وتشرب القلب للذنوب والمعاصي، وكلها أشياء تجعل قلوبنا جافة عاصية لا تعي شيئاً من حقيقة ما نقرأه أو يُقرأ علينا من آيات وأدعية أثناء الصلاة أو خارجها، إن فسدت صلاتنا بتشرب قلوبنا للذنوب والقسوة وسوء الخلق لفسد سائر عملنا وخسرنا يوم القيامة.

    فإن كان المرء مسلماً، كان عليه أن يعي جيداً أن هذا الدين، دين الإسلام، ليس متوافقاً ولا ملائماً للاستهبال أو الاستعباط أو الفَهْلوة أو أسلوب "مَشِّي حالك" أو "كلّه بينفع"، ولا ينفع فيه—في الإسلام—أسلوب الانتقاء وكأن المرء يختار ما يطيب له من قائمة طعام في كافيتيريا، وهذا مصطلح يستخدمه بعض الغربيون أنفسهم: cafeteria bible أو كافيتيريا الإنجيل، فما بالك بالإسلام؟ وخير شاهد هو ما ذكرناه: أول شيء يحاسب عليه المرء هو الصلاة، كشعيرة دينية، ولكنها في نفس الوقت شعيرة قد لا تُقبل أو تصح على الإطلاق إن لم يكن قلب المسلم سليم، والقلب السليم من الخلق السليم. وفي الحديث الصحيح: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب". يعني كله مرتبط ببعضه، ولا مفر من أن ندخل في الإسلام كافّة، بكليته كأسلوب للحياة. يعني صلاة على وقتها بجانب حسن الخلق، والاختيار ما بين الصلاة وشيء طارئ جداً يستلزم مشورة أهل العلم: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وللمرء أن يستفتي قلبه إن لم يستطع أن يستشير أهل العلم، على أن يستشير أهل العلم على وجه الأهمية والأولوية والسرعة بعد الانتهاء من الشيء الطارئ حتى لا يتكرر الاختيار للأهم بجهل بأوامر الله وهو أعلم بالخير لنا وللعالمين.

    في نهاية المقال، يوجد أيضاً رسالة استغربتها بعض الشيء، تُعطى للقارئ، وهي تتلخص في جملة "الديمقراطية هي الحل". وإني لا أتفق مع هذه الجملة، وفي نفس الوقت لا أقول أن الإسلام هو الحل مثلاً، على الأقل ليس قبل معالجة كلمة الإسلام نفسها في هذا السياق وشرحها شرحاً مفصلاً للناس، ومنهم كثير جاهلون ومستهبلون. لا أعتقد أن الحل هو الديمقراطية، وإلا لفلحت دولة مثل أمريكا، تتمتع بديمقراطية مثالية، أو على الأقل تدّعي هذا، والحقيقة هي أن البنك المركزي في الدولة، والذي يطبع نقود الدولة ويُقْرِض حكومتها بالفوائد، هو هيئة خاصة ملك لعائلات محددة، وليس هيئة حكومية! نعم، البنك المركزي في أغلب دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، هو هيئة خاصة يملكها عائلات محددة. والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تعتمد على غسل مخ الشعب والاحتيال عليه بل والكذب عليه حتى يختار رئيساً محدداً. وطبق نفس هذا الكلام على تقريباً كل الدول الغربية الأخرى. فإن كانت الديمقراطية هي الحل، لفلحت تلك الدول، ولكن هذه الدول نجاحها نجاح ظاهري فقط، وحتى نجاحها الاقتصادي قائم على دماء الشعوب وظلم الأقليات وهوة تتسع كل عام بين الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة، ناهيك عن الطبقة الفقيرة. 

    الحل في اتباع أوامر الله كلها، بدءً بأنفسنا. فمثلاً، البلد القذرة حالها هكذا لأن كل شخص يقول: "وهُوَّه يعني، قطعة المهملات البسيطة هذه التي ألقيها أنا هي التي ستوسخ البلد؟!" عندما يقول هذه الجملة مليون شخص، فبالفعل البلد تتحول إلى مقلب قمامة. أما إن قال كل شخص: "أبدأ بنفسي فأفعل ما يأمرني به الله"، لوجدنا مليون مواطن مثلاً لا يلقي القمامة في الشوارع، بل ويفعل الكثير من الخير الآخر عملاً بالحديث الحسن: "إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود"، فنجد الكثير من النظافة والطيبة والكرم في بلادنا، وفي خلال أيام معدودة، ليس أعوام!

    حقيقة، إن أردت أن أعالج "الحلّ" معالجة مختصرة وبسيطة أيما بساطة، لقلت أن هذا هو الحل: أن نطيع الله في كل أوامره ونواهيه، ونتبع النموذج الذي تركته لنا رسله سبحانه وتعالى، فنستأسى بهم. وكفى.

    وفي النهاية، أذكر القارئ أن المقالة التي أعلق عليها هي مقالة هل المصريون متدينون فعلاً؟ بقلم الأديب الدكتور علاء الأسواني، ويتناقلها بعض الناس بعنوان "علاء الأسواني في إحدى أهم مقالاته" أو "الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين بلا أخلاق"، ويحاول بعضهم باستخدام أساليب في التشكيل والألوان أن يزرع في العقل الباطن للقارئ بذرة للفكر العَلَماني بأن الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين، وهو فكر فاسد أثبت فساده في مختلف أنحاء العالم، لأنه وإن أدى إلى عدالة اجتماعية ظاهرة لفترات محدودة في بعض الدول، إلا أنه يثبت فساده على المدى البعيد بعد أن تنكشف قدرة علية القوم والسياسيين والحكام على استخدام هذا الفكر في استعباد الشعوب بالضرائب والديون الربوية والخوف من فقدان بيوتهم وأراضيهم. وهذا لأن هؤلاء العلية من القوم لا يرون أنهم يؤذون الناس، بل إنهم يوفرون لهم الترفيه والرفاهية والألعاب والخدمات الحكومية الجيدة والعدالة الاجتماعية الظاهرية، وهي كلها أشياء لا تتعارض مع "الأخلاق" التي يدعو لها العَلَمانيون في شيء، ولكن في نفس الوقت إنهم يمصون دماء شعوبهم ويحتكرون التجارات والموارد ويتلاعبون في البورصة وغيرها من الأسواق كي يحصلون على الأرباح القصوى لأنفسهم كأفراد وعائلات محددة وقليلة، على حساب الشعب...وهذا لا يتعارض مع "الأخلاق" التي يدعون هم لها ويعلمونها لمن يصدقهم من العَلَمانيين، ولكنها تتعارض بالتأكيد مع تعاليم وأوامر الله للعباد.

    فالحل ليس في الديمقراطية التي يمكن لأي حكومة بسهولة شديدة اليوم أن تتلاعب فيها، وليس بالعَلَمانية أو فصل الدين عن الدولة، وليس بالأخلاق وترك الدين، وإنما الحل هو طاعة واتباع أوامر الله كلها، سواء في الأخلاق أو في المعاملات أو في الاقتصاد أو في السياسة أو في إقامة الشعائر الدينية. ولا، ليس المقصود أن نبدأ بقطع يد السارق من أول يوم، فهذا لم يكن منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا منهج تربية الله سبحانه وتعالى للمسلمين الأوائل من الصحابة. وإنما المقصود هو إقامة الأساسيات أولاً، اتباع كل أوامر الله التي تتعلق مباشرة بإعطاء الناس حقوقهم وضمان حرياتهم وسلامة ممتلكاتهم بالذات البيوت والأراضي، وتتعلق بحسن الخلق بين الناس وبعضهم، وحريتهم في إقامة شعائرهم بأمان، وتربية الناس على حسن النقاش والتخاطب وتوصيل الرسالة، ووضع شروط عادلة قبل إعطاء أي شخص منبر أو ميكروفون الخطابة في الناس، شروط تتعلق بالاعتدال والأدب والموضوعية واحترام المقدسات حتى وإن اختلف الرأي، وليس بفكر محدد، وإقامة نظام متكامل في أي أرض أو دولة يكون قائماً على أوامر الله كلها، ثم خطوة بخطوة، وبعد أن يتعود الناس على عادات جديدة قائمة على طاعة الله، نبدأ في التقدم والدخول في تفاصيل أخرى لأوامره، سواء تفاصيل سياسية أو قانونية تشريعية أو اقتصادية وهكذا. أسأل الله أن يرزقنا جميعاً الحكمة والبصيرة، وأن يهدينا إلى الحق ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    الأربعاء، يناير 12

    هل مصر فعلاً صاحبة فضل علي البلاد العربية؟

    منقول: بقلم إبراهيم عيسى

    تلك الحقيقة التي تريد ألا تعرفها أبدًا 

    أولا: هل مصر فعلاً صاحبة فضل علي البلاد العربية؟ 

    هذا السؤال قد يبدو ساذجا ومستفزا، هل مصر فعلا صاحبة فضل علي البلاد العربية أو بالأحري علي الشعوب العربية؟ حيث يبدو أن هناك إجماعا عاما واسعا ومسلما به بين المصريين علي هذا الأمر باعتباره حقيقة لا تقبل النقاش وأن الشيء الوحيد المسموح به (وعلي استحياء هذه الأيام) هو لوم وتقريع خفيف لزوم العشم بألا نعاير العرب بذلك، أي أن حقيقة أننا أصحاب فضل مفروغ منها والجدل (الخافت والمستحي) هو حول شرعية المعايرة وليس علي ثبوت وإثبات تلك الحقيقة، الأمر الذي يستوجب فعلا مصارحة بيننا تستلزم أن نفتح عقولنا ونسأل أنفسنا عن أشياء باتت موضع البدهيات بينما هي في الأصل موضع شبهات أو بأكبر قدر ممكن من المجاملة مشتبهات! 

    مبدئيا فإن شعبا يلوك في فمه كلاما من نوع: «ده إحنا فضلنا علي الكل، أو هؤلاء نسيوا فضل مصر، ده إحنا اللي عملناكم وإحنا اللي حررناكم»، وهذا اللغو المسكين يعبر عن استجداء المصريين للآخرين أكثر منه معايرة، وكأننا نقول لهم والنبي قولوا إننا كويسين، وحياتكم كلموني عن جمالي وروعتي، شيء ما في إلحاح المصريين علي طلب اعتراف الآخرين بفضل مصر يشبه تلك المرأة العجوز المسنة التي تريد ممن حولها أن يتذكروا كم كانت جميلة؟ وكم يطربها أن يتحدث الآخرون عن جمالها، بينما صورتها في المرآة حاليا كاشفة لتجاعيد تملأها قهرت جمالها السابق وتحيله الآن قبحا! 

    المصريون الآن أشبه بأحفاد رجل أصيل الأصل وغني المال وعظيم الأخلاق وواسع الثروة مات فبدد أبناؤه وأحفاده قصوره ومصانعه ومزارعه وثروته وقعدوا كحيانين علي الرصيف لا يملكون ما يقولونه وما يفعلونه سوي الحديث عن مجد جدهم دون أن ينتبهوا أنه مات وأنهم ضيعوا ثروته ومرمغوا سمعته وحلاً! 

    لاحظ أنني حتي هذه الفقرة أساير وأسير مع الذين يقولون إن لمصر فضلا وأناقش الطريقة لا الحقيقة، الطريقة التي تعبر عن ناس لا يعرفون الفضل والفضائل لكن يثرثرون عنه طول الوقت فصاحب الفضل إن كان فضلا وإن كان صاحبه يفقد قيمته وقيمه حين يتباهي به ويتنابز حوله ويرتكب حين يردد هذا اللغو، فعلا غير أخلاقي، فمن هو الإنسان المحترم الذي يفعل فعلا نبيلا شريفا ثم يعاير الناس به ثم أيضا يطلب مقابل هذا الفعل بل يريد أن يكون الناس أسري أو عبيدا لفضله وكأنه خسيس فعل شيئا قيما في حياته نادرا واستثنائيا وما صدق أنه فعله فأخذ يعاير الناس به ويطلب مقايضة أمامه حتي كره الناس فضله وكان يوم أسود بستين نيلة يوم ما قبلت تسلفني يا أخي!

    بينما نقول عن الشخص الذي ينسي الفضل إنه ندل، فإننا نصف الشخص الذي يطلب مقابل فضله وكأنه ماسك ذلة بذات الصفة...الندالة.

    المذهل هنا أن أجيال المصريين الحالية ومنذ أربعين عاما تحديدا هي أكثر أجيال تخلت وولت وخلعت وفرت واستندلت مع العرب ومع ذلك فهم -وليس أجدادهم وآباءهم -الذين يطالبون الآخرين بسداد قيمة الفضل (إن وجد)، وهم هنا يسيئون ويهينون ذكري أجدادهم كما يعرون مادية وانتهازية تفكيره! 

    لكن دعنا من هذا كله رغم أهميته، وتعال لنسأل السؤال الجاد الناشف الجاف: هل نحن فعلا أصحاب فضل علي العرب؟ 

    أولا مكرر: هل نحن فعلا أصحاب فضل علي العرب؟

    في علم السياسة وعلاقاتها كلمة فضل كلمة غريبة ومهجورة ليس لها أي محل ولا مجال ولا مكان لها في العلاقات بين الشعوب وبين الدول، والحديث عن الفضل خساسة مضحكة ومثيرة للشفقة فلم نسمع يوما من الأمريكان أنهم أصحاب فضل علي أوروبا وبالتحديد علي ألمانيا مثلا حيث خرجت برلين مهزومة ومنسحقة ومفلسة من الحرب العالمية الثانية فتولت أمريكا في مشروعها الشهير مشروع مارشال إعادة بناء الاقتصاد الألماني عبر حجم هائل من المنح والقروض ساهم المشروع مع علم وعمل ووعي وعقل الألمان في نهضة هذا الشعب وتجديد هذه الدولة لتصبح واحدة من الدول الثماني العظمي في الكرة الأرضية، فهل تطاول أمريكي وقال يوما لمستشار (رئيس) ألمانيا أو للصحف الألمانية: تذكروا فضل أمريكا عليكم يا عرر يا جرابيع يا نازيين؟

    لن أطيل عليكم في سرد تجارب دولية كبري في مساندة الشعوب الصديقة والجارة والتي تربطها مصالح مشتركة عميقة ومهمة وأهداف واحدة وثقافة تكاد تكون موحدة، لكن المحصلة أنه لا أحد في العالم يقول هذا الكلام الفارغ بتاع الفضل وكلام الناس العاجزة الخايبة.

    ثم في مجال الأخلاق السياسية والسياسة الأخلاقية كلام مثل هذا معيب وجارح للطرفين، فالذي يقول إنه صاحب فضل كأنما هو تاجر البندقية شيلوك اليهودي الذي يريد أن يقتطع لحم الناس المدينين له كي يوفوا بسداد ديونهم كما أنه أمر يثير عدوانية الطرف الذي نال الفضل (لاحظ مازلت ماشي معاك في أننا أصحاب فضل وهذا غير صحيح بالمرة وتماما) فأنت عندما تعاير شخصا وتضغط عليه فأنت في الحقيقة تبتزه ابتزازا رخيصا كي يكون تابعا أو خادما أو مكسورا أمامك وهو ما ينقلب إلي عكس ما تطلبه وضد ما ترجوه فللصبر حدود وللطاقة احتمال محدد!

    لكننا فعلا لسنا أصحاب فضل علي العرب.

    أعرف أنك لن تستطيع معي صبرا لكنك لو صبرت لاستطعت! 

    ثانيا : إذا كان لأحد فضل علي العرب فهي ليست مصر بل جمال عبدالناصر! 

    نعم الجملة شديدة الوضوح، إذا كان لأحد فضل علي العرب فهي ليست مصر بل جمال عبدالناصر، ما نتحدث عنه باعتباره عطاء مصريا عظيما وبلاحدود للعرب وللدول العربية أمر يخص مصر جمال عبدالناصر ولا دخل بمليم فيه لمصر أنور السادات وطبعا مصر حسني مبارك، وإلا قل لي وحياة أبيك ماذا قدمت مصر للعرب منذ تولي الرئيس مبارك حكم مصر؟ 

    ما فضل مصر علي العرب؟ 

    ما فضل مصر علي ليبيا مثلا؟ حتي يتذكر الشعب الليبي فضل مصر فتنهال دموعهم وتنسال أنهارا من فيض الفضل المصري؟ ربما تكون العلاقات التجارية التي مارستها مصر مبارك مع ليبيا خلال الحصار الدولي عليها موضع تذكير وفخر من حفنة تعرف بذلك في دوائر السياسة الحاكمة، لكن الحقيقة هذه العلاقات أفادت مصر أكثر من ليبيا ثم إن ليبيا كانت تقيم ذات العلاقات سرية وتحتية مع شركات ودول أخري في تبادل فوائد مشتركة فهو أمر لا يخص مصر مبارك بميزة ولا يقدم لمصر فضلا.

    طيب ما فضل مصر علي الشعب السوداني؟ ممكن تحكي لي شوية عما فعلناه للسودان مثلا، ولا أي حاجة، حكومة وشعبا، بل نسينا السودان ونتغافل عن مشاكله ولا نتعامل مع همومه ولا حتي نستفيد من خيراته وفرص استثماراته؟ 

    حد فيكم فاكر أي فضل لمصر علي السودان منذ استقلال السودان، بلاش منذ استقلاله، بل منذ 28عاما هي حكم الرئيس مبارك، ألا تتذكرون معي أننا كنا مقاطعينه أصلا بعد انقلاب البشير ومنذ محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا وكانت هناك فجوة كبيرة وجفوة أكبر، وقبلها كانت خناقات للدجي مع حسن الترابي (وكذا المهدي وحزب الأمة أيضا) وكنا ننتصر لجعفر النميري ديكتاتور السودان حتي تخلصت منه ثورة سودانية شعبية، هل فعلا عملنا أي شيء كي يدين لنا سوداني واحد بإيقاف مذبحة دارفور، أو منع انفصال الجنوب (ربما ساهمنا بتكريس انفصاله!) هل رحبنا باللاجئين السودانيين كما يجب علينا مع اللاجئين ومع السودانيين؟ هل نشطنا تجارة واستثمارا مع السودان كما فعلت الصين وتكاد تكون المستثمر رقم واحد في السودان؟ هل انتهينا إلي حل محترم يصون حقوق البلدين في خلافنا حول شلاتين وحلايب (ألم تسمع أن حكومة الخرطوم تعاملت مع حلايب باعتبارها دائرة انتخابية سودانية!)

    حد يقول لي أي حاجة في فضلنا علي العراق؟ 

    وماذا فعلنا للجزائر ومع الجزائريين منذ أربعين عاما؟

    وما فضل حضرة أي واحد فينا علي تونس مثلا وقد كنا نخاصم الحبيب بورقيبة منذ أيام عبدالناصر ثم لا نتذكر عن علاقاتنا مع تونس سوي مباريات كرة القدم ذات الخيبة! وأن الفرق التونسية كانت تمثل حتي حين عقدة للفرق المصرية!

    أما المغرب فمش عايز أسمع ولا كلمة عنا معها فقد انتهي وجودنا فيها بعد رحيل عبدالحليم حافظ وحفلاته وأغنياته للملك محمد الخامس! 

    بينما موريتانيا أنا أتحدي أي مصري يقول لي اسم رئيسها الحالي؟ أو عدد سكانها؟ أو اسم جورنال واحد فيها؟ بل أظن أن معظم المصريين لا يعرفون أن موريتانيا تتحدث اللغة العربية!

    ندخل بقي علي المشرق العربي.

    كلموني شوية عن فضلنا علي لبنان...الحقيقة لبنان ذات فضل متبادل يخص نانسي عجرم وهيفاء وهبي وإليسا وأفلامنا السينمائية التي صورناها في بيروت بعد النكسة وكان القلع والخلع فيها فوق الركب، ثم تفرجت مصر علي الحرب الأهلية في لبنان خمسة عشر عاما ولا حيلة لنا إلا جملة ارفعوا أيديكم عن لبنان بينما لم تكن لنا فيها يد، وحتي الآن فإن حكومتنا تتعامل مع نصف لبنان باعتباره خصما لها (حزب الله وحركة أمل وتيار ميشيل عون وقلبنا مؤخرا علي وليد جنبلاط فلبنان بالنسبة لحكمنا الرشيد هي سعد الحريري وسمير جعجع!).

    أما فضلنا علي سوريا فبلا حدود طبعا فيكفي أن مالناش دعوة بيها منذ 1973 تقريباً، ورغم محاولات فنانين مصريين أنصاف موهوبين وأنصاف مثقفين طرد ممثليها من حياتنا المصرية، إذا بنجوم سوريا يسطعون في مصر.

    وهذه فرصة لطيفة جدا للكلام الفارغ الآخر الخاص بموضوع أن مصر تفتح ذراعيها للفنانين العرب وكأن هذه منة أو منحة، لكن الحقيقة أن مصر بلا فنانين عرب لا تملك أن تقول عن نفسها ولا كلمة من عينة هوليوود الشرق والذي منه، ثم هوليوود الأصل يا بتوع الأصول هي التي تفتح ذراعيها لكل فنان ولأي فنان من أي مكان في العالم وهذا شرط التميز وأس النجاح.

    ثم إذا كان فتح مصر ذراعيها للفنانين العرب فضلا فأرجو أن يكون واضحا لدي كل أعضاء نقابة المهن التمثيلية الذين يبدو أنهم في حاجة ماسة إلي دورات تثقيفية في التاريخ فالذي أدخل المسرح إلي مصر يا بهوات يا بتوع الفن هم السوريون والشوام، هم الذين علمونا يعني إيه مسرح وهم الذين بنوا المسرح المصري وخلقوه علي شكله المعاصر من عدم، ثم الشوام والفنانون العرب يا نجوم مقصورة استاد المريخ في الخرطوم هم الذين أسسوا فن السينما في مصر وأنتجوا وأخرجوا ومثلوا أفلامنا الأولي الرائدة واقرأوا تاريخكم الفني لتعرفوا وتفهموا فضل العرب والشوام علي كل فنان مصري! 

    وبالمرة بقي طالما جئت إلي الذي يوجع فإن الصحافة المصرية هي صحافة صنعها شوام العرب من سوريين ولبنانيين وهم رواد فن الصحافة المصرية الأوائل بل هم مؤسسوها وأصحابها من أول الأهرام والمصور والهلال والمقطم ودار المعارف، حتي روزاليوسف، إلخ إلخ! 

    ثم ما فضل مصر علي السعودية؟ وعلي الخليج العربي؟ (لم يأت دور فلسطين حتي الآن فصبرا جميلا والله المستعان).

    آه، هنا ستسمع كلاما حقيقيًا عن دور المدرسين المصريين والأطباء والمهندسين وغيرهم الذين ساهموا في تعمير وإعمار وتعليم وتطبيب أهل السعودية والخليج. هذا صحيح لكنه ليس فضلا. هذا عمل ولا أقول واجباً.

    بذمتك ودينك هل سافر مئات الآلاف من المدرسين والأطباء للسعودية والخليج حبا في أهل هذه البلاد أو رغبة في خدمة الإنسانية أو كرما أو عشقا لسواد عيون المواطن العربي في الخليج (أو في ليبيا والجزائر حيث سافر المصريون ليعملوا هناك)؟

    يا أخي عيب، لايزال السفر لهذه الدول حلما لدي كل شاب مصري كي يكون نفسه ويعمل قرشين ويتزوج أو يبني بيتا، ومحدش يقولي إحنا اللي علمناهم! 

    فالحقيقة أنهم يتعلمون الآن في أوروبا وأمريكا ولم نسمع عن أن أوروبا وأمريكا تعايرهم. ثم إذا كنا علمناهم فأنا، وعلي مسئوليتي الشخصية، أزعم أن نصف بيوت أقاليم مصر، إن لم يكن أكثر من نصفها كثيرا، تم بناؤه بفلوس مصريين يعملون في الخليج والسعودية. يعني بنوا بيوتنا وصرفوا علي أهالينا مقابل ما تعلموه أو اتعالجوا بيه؛ كان عملا ولم يكن فضلا ولا حتي رسالة! وكان حلم أي مدرس فيكي يا مصر أن يأتي اسمه في كشوف الإعارة للدول العربية. هل بسبب أنه سيذهب لرسالة العلم ونشر الثقافة ورفع راية التنوير؟ أبداً، ولكن بسبب أنه سيقدر علي بناء البيت أو تزويج البنات وتجهيزهن أو توفير مبلغ للزمن أو غير ذلك من مقتضيات ضرورات الحياة.

    طبعاً لم أذكر اليمن حتي الآن متسائلا عن فضلنا عليها، خصوصا إنه كل شوية يفكرك واحد من إياهم إننا حاربنا لأجل اليمن، بينما نحن حاربنا كذلك لأجل الكويت، وهذا ما يقودنا مرة أخري إلي فضل جمال عبدالناصر.

    فالمؤكد أن العمل العربي الوحيد المشترك الذي فعلته مصر لأجل شعب عربي منذ 28 عاما كان مشاركة قواتها في حرب تحرير الكويت عام 1991، لكن دعني أذكرك أن هذه المشاركة كانت تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية! ثم كان إسقاط ديون مصر الخارجية تاليا لهذه المشاركة (لا أقول ثمنا وقد تقول، ولا أقول مقابلاً وقد تقول، وإذا قلت أنت ذلك لن أجادلك).

    لعلنا في السياق نفسه نتذكر أن مصر أمدت العراق بسلاح في حرب صدام مع إيران وبموافقة ورعاية أمريكية ثم بمقابل مالي ضخم وليس حبا في العروبة (ربما كرها في إيران)، وساعدنا زعيما عربيا مجنونا ومستبدا هو صدام حسين علي تبديد ثروة شعبه وقتل الملايين من أبناء وطنه في حرب بلا طائل وبلا هدف إلا خدمة الأمريكان والصهاينة! 

    الحقيقة أنه من 28 سبتمبر 1970، ليلة وفاة جمال عبدالناصر، فإن الشعب المصري ليس له أن يفتح عينه أمام أي شعب عربي ليقول له إنني منحتك أو أعطيتك أو تفضلت عليك خلال أربعين عاما. ومع ذلك فإن مصر جمال عبدالناصر لم تكن هي أيضا صاحبة فضل علي العرب! 

    ثالثا: ومع ذلك فإن مصر جمال عبدالناصر لم تكن هي أيضا صاحبة فضل علي العرب! 

    جمال عبدالناصر كان زعيما مؤمنا بالعروبة وحالما بالوحدة بين الدول (الشعوب) العربية، هذا صحيح، لكنه ساند ودعم حركات التحرر العربية ضد الاحتلال، والثوار العرب ضد الحكومات التابعة للغرب، إدراكا منه حقيقيا وعميقا وبعيد النظر للمصلحة المصرية التي هي مع المصلحة العربية في موضع التوأم الملتصق (لم تكن ظاهرة التوائم الملتصقة قد انتشرت كما تنتشر الآن). مصر كي تتقدم وتتطور وتكبر وتصبح قوة إقليمية قادرة علي بناء ذاتها ومد نفوذها وتلبية احتياجات شعبها لابد أن تملك محيطا حليفا لها ومؤمنا بمبادئها ينسق معها ويخطط معها وينفذ معها. علي سبيل المثال، كي يقوم جمال عبدالناصر بتأمين احتياجاتنا المصيرية من مياه النيل والحفاظ علي اتفاقية وقعها مع دول حوض النيل، وهي تحت الانتداب أو الاحتلال، فلابد أن تكون هذه الشعوب التي تملك مفاتيح ماء النيل صديقة لمصر وحليفة لها. من هنا يمد لها يد العون ويزود ثوارها بالسلاح والمال كي يتحرروا ويتمكنوا من قيادة بلادهم. وهذا ما كان في كل الدول الأفريقية التي صار بطلها جمال عبدالناصر، حيث مصر موجودة بالقوة المادية وبدعم السلاح والمعلومات وبالأزهر الشريف وشيوخ الدين وبالمدارس والجامعات وبالتأييد لهذه الشعوب في المحافل الدولية سواء الأمم المتحدة أو حركة عدم الانحياز أو غيرهما، لتصبح مصر ساعتها الحليفة والصديقة، بل الأخت الكبيرة التي ضحت وساعدت ودعمت وتحصل بالمقابل وبدون أي تردد وبكل حب ونبل علي ما تريده من هذه الشعوب والحكومات. ويكفي يا سادة للمفارقة فقط أن جميع الدول الأفريقية صوتت لصالح مرشحنا المصري فاروق حسني علي منصب مدير عام اليونسكو، بينما الرئيس مبارك لم يشارك في مؤتمر الوحدة الأفريقية منذ 15 عاما تقريبا! كما أن أجهزة إعلام مصر كانت تشير طوال الوقت إلي خوفها من أن تتم رشوة الدول الأفريقية للتصويت ضد مصر! وهكذا جهل واضح وغياب مطلق وخلعان كامل يجعلنا بلا قيمة وبلا دور في أفريقيا الآن رغم احتفاظنا بآثار قديمة في قلوب الأفارقة، آثار عهد وقيمة جمال عبدالناصر. انظر الحصيلة: جمال عبدالناصر الذي قطع رجل إسرائيل من أفريقيا بمواقفه وبطولة مصر مع حركات التحرر في أفريقيا صنع أمانا رائعا لمصر من أي اختراق إسرائيلي لمياه النيل أو للدول الأفريقية، ثم إذا بإسرائيل خلال أربعين عاما من حكم الرئيسين السادات ومبارك ترتع في أفريقيا بل ووصلت حتي سدود علي نيلك!

    بنفس المنهج كان عبد الناصر يساند الجزائر وثورتها وشعبها لأن مصر عبد الناصر كانت تنتصر للشرف وللحرية ولكرامة الشعوب في مواجهة العدوان والاحتلال، ولأن مصر عبد الناصر كانت في حاجة لأن يكون العرب في حاجتها ومحيطها، ولأن وجود فرنسا محتلة للمغرب العربي معناه أن استقلال مصر وأي دولة عربية منقوص ومهدد، وأنه لا يمكن لاستعمار مجاور لك ومحيط بك أن يسمح لك بالتقدم الاقتصادي أو الاستقلال السياسي أو الصعود التنموي. مصر عبد الناصر كانت تساند وتدعم لأجل نفسها قبل الآخرين ومن أجل مستقبل أبنائها ومواطنيها قبل أي أحد آخر. كذلك فعل عبد الناصر في اليمن (بدون ما تسقط عنه ديون مصر الخارجية بل زادت)، وكذلك كان السودان في قلب اهتمامات جمال عبد الناصر، بل في قمة وعيه وخططه. ويكفي أن شعب الخرطوم وأبناءه حملوا سيارة جمال عبد الناصر من فوق الأرض حبا يفوق الوصف واعترافا يفوق الحب بمكانة مصر حين زار الخرطوم في مؤتمر قمة عربي بعد نكسة يونيو المريرة والرهيبة!

    الأمر إذن لم يكن مجرد مبادئ عبد الناصر المؤمنة بالحرية والوحدة بل كذلك كانت خطة عبد الناصر لتحويل مصر قوة إقليمية ودولية مهمة. وقد كانت كذلك فعلا حتي أن عشرات الخطط وضعها جهازا المخابرات الأمريكية والبريطانية لاغتيال عبد الناصر (ظني أن إحدي هذه الخطط أفلحت وقتلوا الرجل في 28 سبتمبر 1970 فعلا)، ثم كانت نكسة يونيو لتكسير عظام عبد الناصر وإنهاء مشروع مصر الرائدة لبداية مشروع مصر التابعة!

    هنا نتوقف عند فضل مصر علي فلسطين لأكاد أقسم لك بالله أن مصر لا فضل لها علي فلسطين، بل إن مصر ضيعت فلسطين ولو كنت فلسطينيا لركعت لله وسجدت أدعوه أن تحل مصر عن فلسطين كي تتحل!

    مصر حاربت إسرائيل في 1948 فانتهت الحرب بضياع نصف فلسطين وبالنكبة الكبري، حيث قامت دولة إسرائيل بينما كانت مصر الدولة الأكبر والجيش الأكبر وانهزم أمام عصابات صهيونية. ومن ثم فالمؤكد أن مصر هي المسئولة الأولي عن نكبة 48، وهي بالمناسبة شاركت في هذه الحرب لأن أهداف إسرائيل التوسعية والاستعمارية لا تغيب عن أي حمار، فما بالك بالعاقل النابه الذي يعرف أن إسرائيل تبحث عن دولتها الكبري من النيل للفرات. ومن ثم فالسكوت عنها وهي تحتل فلسطين كأنه رضوخ وموافقة لأن تحتل بعدها من نيلنا المصري السوداني إلي فراتنا العربي! 

    أما حرب 67 فإن إسرائيل هي التي بدأت وشنت الحرب وقد أضعنا فيها نصف فلسطين حيث كانت القدس تحت ولاية الأردن، وغزة تحت ولاية مصر؛ فانهزمنا وضيعنا القدس وغزة وسيناء والجولان بالمرة.

    أما حرب أكتوبر فقد كانت حربا من أجل سيناء وليست من أجل فلسطين وليس في خطتها التي وضعها عبد الناصر أو التي وضعها السادات كلمة واحدة عن فلسطين، فهي حرب مصرية تحاول استعادة أرض مصرية وشاركتنا في الحرب دول عربية كثيرة سواء بسلاح البترول (حد يكلمنا عن فضل البترول) أو بالمدرعات والدبابات كما فعلت الجزائر وكان منوطا بقواتها الدفاع عن القاهرة ضد محاولات احتلالها بعد الثغرة واحتلال السويس، أو بالأبطال الغر الميامين كما فعل الفدائيون الفلسطينيون.

    ومن يومها فض اشتباك أول وفض اشتباك ثان ولا فلسطين ولا غيره، حتي إننا تحولنا في عصر الرئيس مبارك إلي دولة تقف علي الحياد كما يقول هو نفسه بين إسرائيل والفلسطينيين (لا يقول فلسطين بل الفلسطينيين!). وصارت مصر الدولة الوسيطة والسمسارة السياسية للصفقات بين طرفي النزاع والصراع، وتتباهي بأنها موضع ثقة الطرفين. ثم لاتكف مصر عن لعب دور السنترال في أي أزمة تحيط بالشعب الفلسطيني، حيث تتصل طوال الوقت بوزراء ورؤساء دول أجنبية ترجو منهم وقف إطلاق النار المفرط وتدين بالمرة اللجوء إلي العنف. ثم نغلق معبر رفح حتي في لحظات العدوان الإسرائيلي علي غزة، ويملك كثير من المصريين الجسارة أن يقولوا إن هذا عدل وحق! ثم نسمع عن مخاوف من أن يأتي الفلسطينيون إلي سيناء يا خويا ويقعدوا فيها وهيه ناقصة. بينما يقاتل ويناضل اللاجئون الفلسطينيون كي يعودوا إلي أرضهم، يخشي عوام منا وغوغاء من بيننا أن يأتينا فلسطينيون من غزة إلي سيناء، وكأن نخوة المصريين جفت. وكأن ما نسمعه ونراه من تدين المصريين مقصور علي النقاب واللحية والسبحة وتكفير الأقباط وحرق البهائيين. أما الانتصار للحق ونصرة المظلوم وإغاثة اللاجئ والاعتصام بحبل الله فكلام لا يعرفه المصريون ولا عايزين يعرفوه!

    رابعا: هل مصر فوق الجميع فعلا؟ 

    آه، جينا للي يزعل أكتر.

    هل مصر فوق الجميع؟ 

    السؤال الواجب هنا هو: أي جميع؟ من هم الجميع الذين مصر تقف أو تجلس فوقهم؟ 

    هل جميع المصريين؟ أم جميع البشر؟ أم جميع الدول؟ 

    الغريب أن دولتين فقط من بين كل دول العالم رفعتا هذا الشعار: الأولي هي ألمانيا النازية، وشعارها ألمانيا فوق الجميع، ألمانيا أدولف هتلر العنصرية العدوانية وكان هذا بشكل رسمي ولفترة مؤقتة (سوداء علي العالم كله)؛ والثانية التي هي مصر، بشكل غير رسمي وفي عهد الرئيس مبارك، حيث تتجرأ بعض قيادات الحزب الوطني وببغاوات الإعلام ودببة الفضائيات ويكررون شعار مصر فوق الجميع، دون وعي بنازيته وعنصريته وربما دون وعي بمعناه ومغزاه أصلا؟ 

    هذا الشعار عنصري، رفعته دولة في فترة عنصرية آمنت فيه فئة مهووسة في مرحلة متطرفة وفي أجواء ديكتاتورية بأن الألمان جنس مختلف ومتميز عن العالم كله، وأن الجنس الألماني نبيل متفوق علي غيره من الأجناس والتي هي أجناس أدني أو قذرة تستحق إفناءها أو قتلها والتخلص منها. أي المقصود والمفهوم من ألمانيا فوق الجميع أنها أعلي وأهم من الشعوب الأخري وأكثر رقيا وتفوقا بحكم الجينات والهرمونات، وأن الألمان يستحقون وفق هذا الإيمان أن يحكموا ويتحكموا في العالم وأن تكون الأجناس الأخري مجرد عبيد وأرقاء وأقنانا عند الجنس الألماني اللي فوق بينما الجميع تحت!

    من إذن أدخل هذا الشعار المجنون إلي بلدنا، وجعل حمقي أحيانا، ومخلصين جهلة أحيانا أخري، وسياسيين متحمسين حينا يرددون هذا الهوس الخرف دون فهم ودون تفكير؟ 

    ثم ماذا يعني هذا الشعار الأخرق؟ 

    هل يعني أن مصر فوق بقية الدول؟ النبي تتلهي!

    فمصر التي تحتل المركز الأخير بين دول العالم في سوق كفاءة العمل، والتي تقبع في المركز 111 بين دول العالم من حيث النزاهة والشفافية، والتي لا تزرع قمحها وتستورد رغيف عيشها، والتي لا تشكل أي صناعة فيها أي أهمية في العالم، والتي لا تمثل أي تجارة لديها أي أهمية في العالم، والتي لا تظهر في قائمة الدول العشرين الأكثر تصديرا في العالم ولا قائمة المائة، والتي لا تضم جامعة واحدة ضمن أهم خمسمائة جامعة في العالم، والتي والذي والذين، هل يمكن أن يصدق أي مهفوف أنها فوق الجميع!

    غالبا يتم استخدام هذا الشعار في مواجهة الدول العربية، وهو ما يعود بنا إلي أصل الموضوع وهو هذا الإحساس الزائف عند الشعب المصري بأنه جنس مخصوص غير العرب كلهم، وأنه متفوق عليهم، وأنه أعظم منهم، وأنهم ولا حاجة أمام المصريين. وإذا لم يكن هذا الكلام عنصريا فهو ألعن، فسيصبح كلام ناس عيّانة، يستحسن ذهابها فورا لطبيب نفسي، فهذا مرض شهير معروف بالبارانويا وهو جنون العظمة مقرونة بجنون الاضطهاد. وهذا عين حالتنا السياسية (والشعبية) الراهنة؛ حيث نشعر أننا أعظم ناس علي وجه الأرض، ثم أن العالم كله يتآمر علينا ويتحالف ضدنا ولا نسأل أنفسنا ليه.

    ليه بيتأمروا علينا، هل نشكل أي تهديد لأي دولة في العالم؟ 

    هل ننافس أي دولة أو شعب في التفوق العلمي والاختراعات الهائلة أو الصعود للفضاء أو امتلاك الرءوس النووية؟ 

    هل نهدد الصين في قدرتها علي التصدير ونشكل خطرا علي أمريكا في امتلاكها الفيتو؟ هل يرتجف منا نتنياهو وقادة تل أبيب أم يصفوننا بالأصدقاء والحلفاء؟ 

    لماذا تحقد علينا الشعوب العربية؟ 

    هل تحقد علينا لأننا نتمتع بأقوي صحة بدنية في المنطقة فلا عندنا فيروس سي ولا فشل كلوي وكبدي ولا ينتشر فينا السرطان وأمراض السكر والضغط؟ أو لأننا نشكل أكبر عدد مرضي بالاكتئاب في الوطن العربي مما يستدعي حقد الشعوب العربية علينا لأننا مفرطو الحساسية؟ 

    هل يحقدون علينا لأننا اكتفينا ذاتيا في الزراعة والصناعة مثلا؟ 

    هل يحقدون علينا لأننا صرنا ننافس كوريا الجنوبية في التصنيع وهونج كونج في التجارة والهند في الكمبيوتر وتركيا في الديمقراطية؟ 

    هل يحقدون علينا لأن رئيسنا عندما يزور دولة عربية يخرج ملايين لتحيته والهتاف باسمه ورفع سيارته فوق الأكتاف؟ 

    كلها أسئلة، أليس كذلك؟ فهل تملك أنت إجابات عنها؟ 

    أم أنك ستكتفي بأن مصر فوق الجميع؟

    أما إذا كان مقصودا بأن مصر فوق الجميع أي أن لها الأولوية الأولي في أي حسابات أو أي قرارات تصدر عن حكومتنا، فهذا كلام بدهي ينطبق علي مصر كما ينطبق علي أي دولة في الوجود الإنساني، فلا توجد دولة تتخذ موقفا أو قرارا في غير مصلحتها ووفق أولوياتها وإلا تبقي دولة يحكمها مجانين أو عملاء! 

    أما إذا كان مقصودا أن مصر أهم من مواطنيها، فالحقيقة أن لا دولة محترمة تتعامل بأنها أهم من مواطنيها، فالوطن هو مواطنوه. وقيمة وكرامة وكبرياء الوطن من كرامة وكبرياء مواطنيه. وإن حق كل مواطن أن يكون رقم «واحد» في أي قرارات خاصة بالدولة ومن الدولة؛ ومع ذلك فإن مصر بلد الكوسة والمحسوبية وحيث يحصل أقل من عشرين في المائة من مواطنيها علي أكثر من ثمانين في المائة من الناتج القومي لها. بلد أنت مش عارف أنا مين، وتوريث الحكم والمناصب للأبناء والأصهار، وتكويش خمسين عائلة علي ثروة وحكم البلد. دولة هذا حالها لا يمكن أن تخدع نفسها إلي حد أن تتصور أنها فوق الجميع، فالجميع من السيد الرئيس حتي أصغر مسئول في الحزب أو الحكم فوق مصر! 

    خامسا: طبعا من السهل جدا اتهام هذه السطور وكاتبها 

    سهل حيث يلجأ البعض حين سماع كلام لا يحبه إلي كراهية من يقوله لا مناقشة ما قاله، ومن ثم طبيعي جدا أن تخرج اتهامات لكاتب هذه السطور بأنه:

    -لايحب مصر.

    -أنه متشائم ونظارته سوداء.

    -أنه مأجور وعميل.

    -أنه يعارض الرئيس لهذا يريد أن يحط من شأن البلد في عهد السيد الرئيس.

    أما عن الاتهام الأول فلا أنت ولا اللي خلفوا حضرتك يملك أن يتهمني أنني لا أحب بلدي ولا أنا مطالب أن أثبت لجنابك أنني أحبها.

    أما ردا علي الاتهام الثاني فأعترف أن نظري ناقص سبعة العين الشمال، وناقص خمسة العين اليمين، وعندي استجماتيزم وحصلت علي إعفاء من الخدمة العسكرية، بسبب ضعف نظري، ومع ذلك فإن نظارتي بيضاء ولا أحب ارتداء نظارات شمس ملونة أو سوداء طبعا (وإن كنت أحب نادية لطفي وهي ترتديها في فيلم النظارة السوداء). ثم إنني لست متشائما ولست متفائلا ولا أجد أي ضرورة للتشاؤم والتفاؤل في السياسة بقدر ضرورة الإرادة والعزيمة.

    أما الاتهام الثالث فالمأجور والعميل أسهل تهمة يلقيها العملاء والمأجورون علي الناس.

    أما الاتهام الرابع فأنا أعارض الرئيس مبارك طبعا وقطعا، فأقول كلاما ويرد علينا غيرنا بكلام (ويردون بشتائم أحيانا كثيرة وبقضايا ومحاكم وأحكام بالسجن أحيانا أخري). وشوف أنت الكلام الذي تصدقه فصدقه دون تفتيش في نوايا أي من المعارض والمؤيد. ثم أعارض الرئيس مبارك لكنني لا أعارض مصر؛ ومصر ليست الرئيس مبارك رغم أن ما فعله فيها الرئيس مبارك ربما جعلها غير مصر التي نعرفها، وأخشي أن يورثها لدرجة أن تصبح مصر تلك التي لا تريد أن تعرفها! 

    سادسا: هل مصر دولة صغيرة وعليها أن تعرف حجمها عشان تتكلم علي قدها؟ 

    كل ما كتبته هنا وسأكتبه لاحقا يهدف إلي أن تسمع تلك الحقيقة التي لاتريد أن تعرفها أبدا، ثم لهدف أكبر هو أن نكبر فعلاً.

    ماذا يعني كل هذا الكلام؟ 

    معناه أن مصر دولة عظيمة مرهون تألق عظمتها بشعبها، برئيسها ورجالها. إما أن يكون الشعب المصري في مرحلة ما من تاريخه يليق بهذا البلد، فيرفع من مكانته ويعلي من مقامه وتقدم الأمم وقود منطقته العربية، وإما أن يكون الشعب في مرحلة ما (مثل التي نعيشها من 28 عاما) خامل الهمة، خانع الروح، مهدور الكبرياء، منكفيا منحنيا، معزولا ومنعزلا عن محيطه ومنطقته، فيتراجع البلد مكانة وشأناً، ويتحول إلي التباهي الممض والابتزاز العاطفي المريض، وتزوي قيمه ويصبح دوره هشيما تذروه الرياح!