الأحد، أبريل 1

الإخوان والبسطاء وحلول المرحلة

لماذا نعاني من سوء أداء السلطات التنفيذية ثم نلوم السلطة التشريعية؟ السلطات التنفيذية هي الحكومة والرئيس، والسلطة التشريعية هي البرلمان—مجلسي الشعب والشورى. لماذا يستخدم البعض كلمة "معَمَلُوش" إشارة إلى البرلمان عندما يكون التنفيذ (أو العَمَلان) هو من اختصاص الحكومة؟ لماذا نرى قرارات وتوصيات وطلبات السلطة التشريعية تقع على آذان صمّاء أو تبدو وكأنها الأذان في مالطة، ثم نلقي اللوم على البرلمان بدلاً من السلطات التنفيذية التي لم تحترم قرارت البرلمان؟

وقبل أن يعدد لي أحدهم مساوئ البرلمان ويحاول إثبات سُوء أدائه، دعنا نتحدث بصراحة ونتفق على أنه سيتحدث عن الإخوان (أو الأحزاب الإسلامية) وليس عن البرلمان. ومن هذا المنطلق، أرجع إلى سياق كلامي: هَبْ فرضاً أن السلطة التشريعية مُقَصّرة، فلنفترض أن البرلمان سيء الأداء، فلماذا نعاني من سوء أداء البرلمان ثم نلوم الإخوان؟ هل قفز عقلك إلى كلمة "أغلبية"؟ إن استخدمنا هذا العقل بأقل القليل من الحقائق الرقمية، فسنجد أن البرلمان يكاد يكون نصفه ليسوا من الإخوان؛ وإذا أشرت بسرعة إلى السلفيين، فإن نصف هؤلاء الآخرين ليسوا بسلفيين. أكثر من 100 عضو في البرلمان لا هم بإخوان ولا بسلفيين! فبالله عليكم، لماذا أصبح سوء أداء البرلمان—إن افترضنا صحة الإدعاء—سوء أداء إخوان؟؟

وإن قفز عقلك سريعاً إلى فكرة "حلّ البرلمان"، وهذا ما هو إلى استكمال غسيل المّخ الإعلامي الذي لا يريد شيئاً سوى انتزاع الأحزاب الإسلامية من الساحة، فسأدعوك مرة أخرى إلى إعمال هذا العقل بتأني وبالمنطق. ما هي فائدة حلّ البرلمان؟ إن افترضنا أن مشاكل الوطن كلها هي بسبب سوء أداء البرلمان، فماذا سنجني بحلّ البرلمان؟ هل مثلاً سنأتي بأعضاء برلمان من المريخ أو من السويد؟ أم أن أي أعضاء جدد سيأتون أيضاً من مصر؟ وإن أتوا من مصر، فما الجديد؟ (مَاهُو) البرلمان بالفعل يمثل كل الاتجاهات الفِكرية في الوطن، وليس فقط الاتجاه الإسلامي. فحتى وإن تكاسل أو تقاعس النواب ذوو المرجعية الإسلامية، فهناك أكثر من 100 نائب، ليس إسلامي المرجعية، يستطيع أن يقف فيشارك رئيس المجلس والوطن كله على شاشات التليفزيون ويوتيوب في أفكاره العبقرية وبحلوله المنطقية لمشاكل الوطن. ما المشكلة إذن، وكيف أصبح الإخوان بقدرة قادر هم مصدر مشاكل الوطن كلها؟! وإذا كانت جميع التيارات بالفعل يمكنها المشاركة اليوم في صناعة الوطن، فما هو هدف حلّ البرلمان، أو بمعنى آخر، ما هو مغزى الطعن في شرعية البرلمان وتأجيج مشاعر "البسطاء" ليطالبوا بهذا ويساندوا هذا المنطق العجيب، أو بمعنى أدق...يساندوا هذه اللا منطقية؟

وإذا كان إجمالي ممثلي الأحزاب الإسلامية في البرلمان يعادل حوالي 75% من البرلمان، وإذا كانت أغلبية الشعب موافقة على أن يتم وضع الدستور بناءً على أحكام الشريعة الإسلامية (ليس فقط ال"مبادئ" الإنسانية المعمول بها الآن، وال"أحكام" ليست ال"حدود" التي يلوّح بها كل إسلامُوفُوبي أو كاره للإسلام)، وبالرغم من ذلك، فإنّ الأحزاب الإسلامية قدمت بالفعل تنازلات فارتضوا بأن تكون نسبتهم في لجنة تأسيس الدستور فقط 48%، انخفاضاً من نسبتهم في البرلمان، 75%، وبالرغم من أن حوالي 85% من الشعب نفسه موافق على الشريعة الإسلامية...بالرغم من كل هذا ومن كل التنازلات، فلماذا الإعلام منشغل فقط بما يلطخ سمعة الأحزاب الإسلامية—أيضاً في لجنة التأسيس؟ ولماذا يبدوا أن الإعلام نجح في غسل عقول كثيرين بهذا بدلاً من رؤية الحقائق؟ لماذا يبدو وكأن الناس لا تدرك أن أمام أي ربة منزل أو خريج إعدادية من حزب إسلامي في لجنة التأسيس هناك ليبرالي أيضاً من المجال الفني أو الإعلامي ولا يمت بصلة لمجال القانون؟ ولماذا يبدو وكأنهم سمعوا عن خريج إعدادية واحد، ولكن لم يسمعوا عن الكثيرين من عمالقة قانون واقتصاد في لجنة التأسيس من أحزاب إسلامية وسيرتهم الذاتية مثل الحائط العالي؟

هل هي بالفعل مشكلة برلمان، أم مشكلة حكومة وسلطة تنفيذية؟ هل هو بالفعل تخاذل إخوان، أم تخاذل برلمان—إن صح الإدعاء؟ وهل يمكننا انتخاب زائرين من المريخ أو ملائكة من السماء كي نطعن في شرعية البرلمان ونعيد الانتخابات، أم أننا سنضطر إلى انتخاب مصريين مرة أخرى بالفعل موجودين الآن في البرلمان بكل اتجاهاتهم الفِكرية والدينية؟ وهل مشكلة لجنة التأسيس فعلاً بسبب الأحزاب الإسلامية، أم هي شُوهَات أو عروض إعلامية لتلطيخ السمعة واختلاق أعذار واهية للليبراليين المنسحبين عن كامل إرادتهم؟

وفي النهاية أسأل: بالله عليكم، هل "البسطاء" هم من يؤيدون الإخوان والسياسيين ذوي المرجعية الإسلامية، أم البسطاء هم من لم يستخدموا عقولهم للتفكير في الأسئلة السابقة؟

وإن كان لا زال صعباً على البعض استنتاج بعض الحلول المنطقية، فهاهي بعض الاقتراحات:

-فَهْم أن المشكلة ليست في البرلمان وحده وبالتأكيد ليست في الإخوان أو الأحزاب الإسلامية وحدها.

-فَهْم أن إذا كان في الإخوان والمجلس العسكري مثلاً بعض الفساد وكلّ العِبَر، فهذا لأنهم مصريون والمصريون كلهم اليوم فيهم بعض الفساد وكلّ العِبَر؛ فلنُصْلِح أنفسنا كي يَصْلح الإخوان والمجلس العسكري أو كي يجدوا الصالح لينضم لصفوفهم ويقودهم!

-عدم الانسياق وراء ما يشوش الذهن عن الحقيقة وهي سوء أداء أو تباطؤ السلطات التنفيذية، سواء حكومة أو رئيس أو مجلس عسكري؛ مع عدم التعرض للمجلس العسكري بأي شيء سوى المطالبة بالحقوق والضغط بالطلبات، لأن التطرق إلى موضوع الإسقاط هو طريق يستخدمه العملاء وأعداء الوطن لإضعاف أقوى مؤسسة صناعية إنتاجية أمنية في الوطن. إن كنت لا تعي هذا، فقد سمعته الآن: اعرف أن الأعداء وعملاءهم لا يفرقون بين مجلس عسكري وجيش، وأن المؤسسة العسكرية في وطنك هي أكبر وأقوى مؤسسة صناعية إنتاجية دفاعية كُرْبْرَاتيّة (corporate) في وطنِك. الحكومة اليوم مؤقتة، وفي العادة يمكن عزلها وإن كانت دائمة، أما جيشنا ومؤسستنا العسكرية فهي باقية ولا يمكننا الاستغناء عنها أبداً، وإن كانت هزيلة كما يدعي البعض.

-فَهْم وتثقيف أنفسنا عن القانون الإسلامي، على الأقل لندرك أن المادة رقم 2 الحالية التي تشير إلى "مبادئ الشريعة" هي مادة مضللة زائفة، وأن الأحكام الإسلامية لا نأخذ منها إلى أقل أقل القليل مقارنة بالدستور كله وهو فرنسي الأصل وعَلَمَاني المرجعية، وأن الأحكام أو أحكام الشريعة (قانون الدولة) لا تمت بصلة للحدود الإسلامية (قانون العقوبات)؛ أكثرنا لا نهتم بقانون العقوبات في هذه المرحلة وليس قبل أن تصبح مصر أندلس الوطن العربي مثلاً، بل الآن نهتم فقط بقانون الدولة الإسلامية أو بالأحكام، وأن لا خلاص لنا من جُور وظلم أي نظام حاكم—سواء إسلامي أو عَلَمَاني—إلا بوضع وتأسيس دُستور مرجعيته قلباً وقالباً هي الشريعة الإسلامية. عرفوا قديماً أن بسيطرتهم على الأوراق النقدية والاقتصاد، لن يهتموا بقضية مَنْ يُشَرّع القوانين لأنهم سيملكون ويستعبدون الدولة كلها—بما فيهم المُشَرّعين والحكام—بسيطرتهم على النقود والاقتصاد؛ حسناً، ولكن هؤلاء العباقرة لم يضعوا في الحسبان شريعة الإسلام التي تعمل على انضباط الاقتصاد بل وعلى تنظيم الأوراق النقدية نفسها، ولم يضعوا في الحسبان المُشرّع السمائي، الله الواحد القهار. 

افهموا دينكم ودنياكم كي تعشقوا ربكم وشرائعه عشقاً—يرحمكم الله، فوالله إن تمسكنا بديننا وسنة نبينا، وبذلنا أقصى جهدنا لنحكّم الله وحده علينا ولو بأخذ المجازفات، لما استطاع أحد أن يتحكم فينا أو يظلمنا، كائناً من كان وإن كان يملك البنوك نفسها ويحكم البلد. ففي النهاية، القانون فوق الرئيس والاقتصاد، وإنْ كان القانون هو قانون الله فطوبى لنا ولأمتنا، والله فوق القانون والجميع والدنيا كلها.


ليست هناك تعليقات: